أن المراد بقوله رخص إذن وأن الإذن للإباحة العامة لا لخصوص الضرورة، والمشهور عند المالكية التحريم وصححه في المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة وخالفه صاحباه، واستدلال المانعين بلام العلة المفيدة للحصر في قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8] الدالة على أنها لم تخلق لغير ما ذكر وبعطف البغال والحمير وهو يقتضي الاشتراك في التحريم وبأنها سيقت للامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم، وبأنه لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع الامتنان به من الركوب والزينة.
وأجيب: بأن اللام وإن أفادت التعليل لكنها لا تفيد الحصر في الركوب والزينة إذ ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقًا، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل، وأما دلالة العطف فدلالة اقتران وهي ضعيفة، وأما الامتنان فإنما قصد به غالب ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا، ولو لزم من الإذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في الشق الآخر في البقر وغيرها مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة له أخرى.
وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر، وأخرجه مسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد والوليمة.
(باب) تحريم أكل (لحوم الحمر الإنسية) بفتحتين، والمشهور بكسر ثم سكون ضد الوحشية (فيه) أي في الباب المذكور (عن سلمة) بن الأكوع، وسقط لفظ "عن" لابن عساكر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما مرّ موصولًا مطوّلًا في باب غزوة خيبر من المغازي.
5521 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ.
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن سالم) هو ابن عمر (ونافع) مولاه (عن ابن عمر رضي الله
عنهما) أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) نهي تحريم لنجاستها.
وفي حديث أنس في الصحيحين وغيرهما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "فإنها رجس" وقيل لأنها لم تخمس أو لكونها جلالة كما في أبي داود، ولا امتناع في تعدد العلل الشرعية على المرجح عند الأصوليين، نعم التعليل بكونها لم تخمّس فيه نظر لأن أكل الطعام والعلف من الغنيمة قبل القسمة جائز لا سيما في المجاعة.
وهذا الحديث قد مرّ في غزوة خيبر.
5522 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. تَابَعَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) ولأبي ذر: عن نافع (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رواه أبو داود في سننه وقد قال الإمام أحمد: كره أكلها خمسة عشر صحابيًّا، وحكى ابن عبد البرّ الإجماع الآن على تحريمها. (تابعة) أي تابع يحيى القطان (ابن المبارك) عبد الله فيما وصله المؤلّف في المغازي (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن نافع) مولى ابن عمر.
(وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة: (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مما وصله أيضًا في المغازي وفصل في روايته بين أكل الثوم والحمر فبين أن النهي عن الثوم من رواية نافع فقط، وأن النهي عن الحمر عن سالم فقط، لكن يحيى القطان حافظ فلعل عبيد الله لم يفصله إلا لأبي أسامة وكان يحدث به عن سالم ونافع معًا مدمجًا فاقتصر بعض الرواة عنه على أحد شيخيه تمسكًا بظاهر الإطلاق قاله في الفتح الباري.
5523 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنهم- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَلُحُومِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله والحسن بني محمد بن علي عن أبيهما) محمد (عن علي رضي الله عنهم) أنه (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المتعة) وهي النكاح المؤقت كأن ينكح إلى شهر أو إلى قدوم