وإلاّ فلا. وعند البيهقي من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها لحمًا لا دم له فأطعمها الجراد" وفي الحلية في ترجمة يزيد بن ميسرة كان طعام يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام الجراد وقلوب الشجر يعني الذي ينبت في وسطها غضًّا طريًّا قبل أن يقوى وكان يقول: من أنعم منك يا يحيى وطعامك الجراد وقلوب الشجر.
(قال سفيان) الثوري مما وصله الدارمي عن محمد بن يوسف (وأبو عوانة) الوضاح اليشكري فيما وصله مسلم ولأبي ذر وقال أبو عوانة (وإسرائيل) فيما وصله الطبراني (عن أبي يعفور) وفدان (عن ابن أبي أوفى) عبد الله (سبع غزوات) وحمله الحافظ ابن حجر على أن أبا يعفور كان جزم مرة بالسبع ثم شك فجزم بالست إذ هي المتيقن.
(باب) حكم (آنية المجوس) في الاستعمال أكلًا وشربًا (و) حكم (الميتة).
5496 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ، أَنَّكَ بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلاَ تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إِلاَّ أَنْ لاَ تَجِدُوا بُدًّا فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ، أَنَّكُمْ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل بن مخلد (عن حيوة بن شريح) بالشين المعجمة أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي) قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء المعجمة قال: (حدّثني) بالإفراد كذلك (أبو ثعلبة الخشني) بالخاء والشين المعجمتين -رضي الله عنه- (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله إنّا بأرض أهل الكتاب فنأكل في آنيتهم).
استشكل مطابقة الحديث للترجمة إذ ليس فيه ما ذكر ما ترجم به وهو المجوس. وأجاب ابن التين: باحتمال أنه كان يرى أن المجوس أهل كتاب وابن المنير بأنه بناء على أن المحذور منهما واحد وهو عدم توقي النجاسات وابن حجر بأنه أشار إلى ما عند الترمذي من طريق أخرى عن ثعلبة سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قدور المجوس فقال: (أنقوها غسلًا واطبخوا فيها) وفي لفظ من وجه آخر عن أبي ثعلبة قلت: إنّا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث. وهذه طريقة أكثر منها البخاري فيما كان سنده فيه مقال يترجم به ثم يورد في الباب ما يؤخذ الحكم منه بطريق الإلحاق انتهى.
قال أبو ثعلبة: (و) إنّا (بأرض صيد أصيد) فيها (بقوسي) بسهمه (وأصيد) فيها (بكلبي المعلم) بفتح اللام المشددة (و) أصيد (بكلبي الذي ليس بمعلم) بفتح اللام المشددة أيضًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما ما ذكرت أنك) ولأبي ذر وابن عساكر أنكم (بأرض أهل كتاب فلا تأكلوا في آنيتهم) لكونها مستقذرة (إلا أن لا تجدوا أبدًا) بضم الموحدة وتشديد المهملة منوّنة أي فراقًا أو عوضًا منها (فإن لم تجدوا بدًّا) منها (فاغسلوها وكلوا فيها) ولأبي ذر وابن عساكر: فاغسلوا وكلوا والحكم في آنية المجوس كذلك لا يختلف مع الحكم في آنية أهل الكتاب لأن العلة إن كانت لكونهم تحلّ ذبائحهم كأهل الكتاب فلا إشكال أو لا تحل فتكون الآنية التي يطبخون فيها ذبائحهم ويغرفون قد تنجست بملاقاة الميتة فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنهم لا يتدينون باجتناب النجاسة وبأنهم يطبخون فيها الخنزير ويضعون فيها الخمر. (وأما ما ذكرت أنكم) ولابن عساكر أنك (بأرض صيد فما
صدت بقوسك فاذكر اسم الله) عليه ندبًا (وكل) فإنه ذكاة له (وما صدت بكلبك المعلّم فاذكر اسم الله) عليه ندبًا (وكُل) فإن أخذ الكلب له ذكاة (وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته) ذبحه (فكله) ولابن عساكر: فكُل فإن لم تدركه فلا تأكل فإنه وقيذ.
5497 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: لَمَّا أَمْسَوْا يَوْمَ فَتَحُوا خَيْبَرَ أَوْقَدُوا النِّيرَانَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى مَا أَوْقَدْتُمْ هَذِهِ النِّيرَانَ»؟ قَالُوا: لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، قَالَ: «أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا، وَاكْسِرُوا قُدُورَهَا». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْ ذَاكَ».
وبه قال: (حدّثني المكي بن إبراهيم) البلخي قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) هو ابن عمرو بن الأكوع أنه (قال: لما أمسوا يوم فتحوا خيبر أوقدوا النيران قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(على ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني علام (أوقدتم هذه النيران؟ قالوا: لحوم) بالجر أي على لحوم (الحمر الأنسية) بفتح الهمزة والنون وبكسر الهمزة وسكون النون وسقط لفظ الحمر لأبي ذر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أهريقوا) بهمزة مفتوحة ولأبي ذر: هريقوا (ما فيها واكسروا قدورها) مبالغة في الزجر وسقط قوله: واكسروا قدورها لابن عساكر (فقام رجل من القوم فقال) يا رسول الله: (نهريق ما فيها ونغسلها)؟ استفهام محذوف الأداة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو ذاك) بسكون الواو إشارة إلى التخيير بين الكسر والغسل وغلظ أولًا حسمًا للمادّة فلما سلموا الحكم وضع عنهم الأصر، والأمر بغسلها حكم بالتنجيس فيستفاد منه تحريم أكلها وهو دال على تحريمها لعينها لا لمعنى خارج، وسقط لغير أبي ذر وابن عساكر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
15 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلاَ بَأْسَ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وَالنَّاسِي لاَ يُسَمَّى فَاسِقًا. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]
(باب) حكم (التسمية على الذبيحة و) حكم (من ترك) التسمية حال كونه (متعمدًا) وتقييده بالعمدية مشعر بالتفرقة بين العمد والنسيان ويدل لذلك قوله: (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (من نسي) التسمية عند الذبح (فلا بأس) يأكل ما ذبح ومفهومه عدم الحل مع العمدية، وهذا وصله الدارقطني، وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عباس فيمن ذبح ونسي التسمية فقال المسلم فيه اسم الله وإن لم يذكر التسمية وسنده صحيح، وهو موقوف وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا.
(وقال الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}) عند الذبح ({وإنه}) وإن أكله ({لفسق}) وسقط لأبي ذر {وإنه لفسق} (والناسي لا يسمى فاسقًا) كما هو ظاهر من الآية لأن ذكر الفسق عقبه إن كان عن فعل المكلف وهو إهمال التسمية فلا يدخل الناسي لأنه غير مكلف فلا يكون فعله فسقًا وإن كان عن نفس الذبيحة التي لم يسم عليها وليست مصدرًا فهو منقول من المصدر والذبيحة المتروك التسمية عليها نسيانًا لا يصح تسميتها فسقًا إذ الفعل الذي نقل منه هذا الاسم ليس بفسق، فأما أن نقول لا دليل في الآية على تحريم المنسي فبقي على أصل الإباحة أو نقول فيها دليل من حيث مفهوم تخصيص النهي بما هو فسق فما ليس بفسق ليس بحرام قاله: صاحب الانتصاف من المالكية، وقال في المدارك: وظاهر الآية تحريم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو يجعل الناس ذاكرًا تقديرًا ومن أول الآية بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه فقد عدل عن ظاهر اللفظ، ولعل المؤلّف أشار إلى الزجر عن الاحتجاج لجواز تلك التسمية بتأويل الآية وحملها على غير ظاهرها حيث قال: (وقوله) تعالى: ({وإن الشياطين) قال في اللباب إبليس وجنوده ({ليوحون}) ليوسوسون ({إلى أوليائهم}) من المشركين ({ليجادلوكم}) ليخاصموا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بقولهم ما ذكر اسم الله عليه فلا تأكلوه وما لم يذكر اسم الله عليه فكلوه رواه أبو داود وابن ماجة والطبري بسند صحيح عن ابن عباس ({وإن أطعتموهم}) في استحلال ما حرمه الله ({إنكم لمشركون}) [الأنعام: 121] لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك وبه من حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم، وقال عكرمة: المراد بالشياطين مردة المجوس ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش وذلك لأنه لما نزل تحريم الميتة سمعه المجوس من أهل فارس فكتبوا إلى قريش وكانت بينهم مكاتبة أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال وما يذبحه الله حرام فوقع في نفس ناس من المسلمين شيء من ذلك فأنزل الله هذه الآية.
والحاصل من اختلاف العلماء تحريم تركها عمدًا ونسيانًا وهو قول ابن سيرين والشعبي وطائفة من المتكلمين ورواية عن أحمد لظاهر الآية أو تخصيص التحريم بغير النسيان وهو مذهب الحنفية ومشهور مذهب المالكية والحنابلة لما سبق والإباحة مطلقًا عمدًا أو نسيانًا وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد محتجين بأن المراد من الآية الميتات وما ذبح على غير اسم الله لقوله تعالى: {وإنه لفسق} والفسق في ذكر غير اسم الله كما قال في آخر السورة: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا} إلى قوله: {أو فسقًا أهل لغير الله