عليكم} [المائدة: 4] فإنما أباحه بشرط أن يعلم أنه أمسكه عليه وإذا أكل منه كان دليلًا على أنه أمسكه على نفسه، وقيل يحل وإن أكل منه لظاهر قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} والباقي بعد أكله قد أمسكه علينا فحل لظاهر الآية، ولحديث أبي داود السابق ذكره في باب صيد المعراض. قال الشافعي في المبسوط: والقياس يدل عليه لأن الكلب إذا عقر الصيد وقتله فقد حصلت الذكاة فأكله منه بعد حصول ذكاته لا يمنع من أكله كما إذا ذكّى المسلم صيدًا ثم أكل منه الكلب، وهذا ما نص عليه في التقديم،
وأومأ إليه في الجديد بالقياس وأجيب عن الآية بأن الحديث دل على أنه إذا أكل فقد أمسك لنفسه، وعن الحديث أبي داود المذكور بأنه تكلم فيه كما سبق مع غيره في الباب المذكور (وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل) أي لأنه إنما سمى على كلابه، ولم يسمّ على غيرها كما صرح به فيما سبق.
(باب) حكم (الصيد إذا غاب عنه) أي عن الصائد (يومين أو ثلاثة).
5484 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِذَا خَالَطَ كِلاَبًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَيُّهَا قَتَلَ. وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلاَّ أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلاَ تَأْكُلْ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا ثابت بن يزيد) من الزيادة وثابت بالمثلثة الأحول البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا أرسلت كلبك) أي المعلم الذي إذا أشلي استشلى وإذا زجر انزجر وإذا أخذ لم يأكل مرارًا (وسميت) الله تعالى حالة إرسالك كلبك (فأمسك) الصيد (وقتلـ) ـه (فكلـ) ـه فإن أخذه ذكاة له (وإن أكل) الكلب منه (فلا تأكل فإنما أمسك على نفسك وإذا خالط) كلبك (كلابًا لم يذكر اسم الله عليها) بأن أرسلها من ليس من أهل الذكاة (فأمسكن وقتلن) الكلاب الصيد ولأبي ذر فقتلن بالفاء بدل الواو (فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل) فلو تحقق أنه أرسله من هو أهل للذكاة حل أو وجده حيًّا فذكّاه حل أيضًا لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على الإمساك من الكلب (وإن رميت الصيد) بسهمك وغاب عنك (فوجدته بعد يوم أو يومين ليس له إلا أثر سهمك فكل) فإن وجد به أثر سهم رامٍ آخر أو مقتولًا بغير ذلك فلا يحل أكله مع التردّد، وعند الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد به أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل منه. قال الرافعي: يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم جاء فوجده ميتًا أنه لا يحل وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر، قال النووي في الروضة: الحل أصح دليلًا وصححه أيضًا الغزالي في الإحياء وثبتت فيه الأحاديث الصحيحة ولم يثبت في التحريم شيء وعلق الشافعي الحل على صحة الحديث والله أعلم اهـ.
وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال، في قول ابن عباس: كل ما أصميت ودع
ما أنميت يعني ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله قال: وهذا عندي لا يجوز غيره إلا أن يكون جاء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه شيء فيسقط كل شيء خالف أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يقوم معه رأي ولا قياس. قال البيهقي: وقد ثبت الخبر بمعنى حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي.
(وإن وقع) الصيد (في الماء فلا تأكل) لاحتمال هلاكه بغرقه في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم، حل أكله، وفي مسلم فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فدلّ على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله يحل.
5485 - وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ قَالَ: «يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ».
(وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة فيما وصله أبو داود (عن داود) بن أبي هند (عن عامر) الشعبي (عن عدي) هو ابن حاتم الطائي -رضي الله عنه- (أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إنه (يرمي الصيد) بسهمه (فيقتفر أثره اليومين والثلاثة) بقاف ساكنة ففوقية مفتوحة ففاء مكسورة فراء، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فيقتفي بتحتية بدل الراء، وعزاها في المطالع للقابسي وهما بمعنى أي يتبع أثره، وفي الفتح بتقديم الفاء على القاف أي يتبع فقاره حتى