لواحدة ثوب لم يصدق النفي ويجمع بين هذا وبين حديث أم سلمة السابق في باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث عائشة هذا محمول على ما كان في أوّل الأمر، وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال، ويحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها: ثوب واحد مختص بالحيض وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة قاله في فتح الباري، (فإذا أصابه) أي الثوب (شيء من دم) وللأصيلي من الدم (قالت) أي بلته (بريقها فقصعته) بالقاف والصاد والعين المهملتين كذا في الفرع، وعزاها الحافظ ابن حجر لرواية أبي داود. ومفهومه أنها ليست للبخاري، والمعنى فدلكته وعالجته، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فمصعته بالميم وهي في هامش فرع اليونينية أي: حكته (بظفرها) بإسكان الفاء في الفرع، ويجوز ضمها.
ووجه مطابقة هذه الترجمة من حيث أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه معلوم أنها تصلي فيه، إذا غسلته بعد الانقطاع، وليس هذا مخالفًا لما تقدم فهو من باب حمل المطلق على المقيد، أو لأن هذا الدم الذي مصعته قليل معفو عنه لا يجب عليها غسله، فلذا لم يذكر أنها غسلته بالماء، وأما الكثير فصح عنها أنها كانت تغسله قاله البيهقي، لكن يبقى النظر في مخالطة الدم بريقها فقد قالوا فيه حينئذ بعدم العفو وليس فيه أنها صلّت فيه، فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره. فقد سبق بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة والقول.
(باب) استحباب (الطيب للمرأة) غير المحرمة (عند غسلها من المحيض) وكذا من النفاس تطييبًا للمحل بل يكره تركه بلا عذر كما صرّح به في المجموع وغيره، ولأبي ذر من الحيض بغير ميم.
313 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ
نَكْتَحِلَ وَلاَ نَتَطَيَّبَ وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 313 - أطرافه في: 1278، 1279، 5340، 5341، 5342، 5343].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن حفصة) بنت سيرين زاد في رواية المستملي وكريمة، قال أبو عبد الله أي البخاري: أو هشام بن حسان بالصرف وتركه من الحسن أو الحسن عن حفصة فكأنه شك في شيخ حماد أهو أيوب السختياني أو هشام بن حسان، وليس ذلك عند بقية الرواة ولا عند أصحاب الأطراف، (عن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح السين مصغرًا بنت الحرث كانت تمرّض المرضى وتداوي الجرحى وتغسل الموتى. لها في البخاري خمسة أحاديث رضي الله عنها (قالت):
(كنا ننهى) بضم النون الأولى وفاعل النهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن تحد) أي المرأة وفي الفرع أن نحد
بضم الأول مع كسر المهملة فيهما من الإحداد أي تمنع من الزينة (على ميت فوق ثلاث) يعني به الليالي مع أيامها (إلا على زوج) دخل بها أو لم يدخل صغيرة كانت أو كبيرة حرة أو أمة، نعم عند أبي حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة، وفي رواية المستملي والحموي إلا على زوجها، فالأولى وافقة للفظ نحدّ بالنون والثانية موافقة لرواية تحد بالغيبة أو توجه الثانية أيضًا على رواية النون بأن الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها: كنا ننهى أي كل واحدة منهن تنهى أن تحدّ فوق ثلاث إلا على زوجها (أربعة أشهر وعشرًا) يعني عشر ليالٍ إذ لو أريد به الأيام لقيل عشرة بالتاء.
قال البيضاوي في تفسير أربعة أشهر وعشرًا وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر المشهور والأيام، ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابًا إلى الأيام حتى إنهم يقولون صمت عشرًا، ويشهد له قوله: إن لبثتم إلا عشرًا ثم أن لبثتم إلا يومًا، ولعل المقتضي لهذا التقدير أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا ولأربعة إن كان أنثى، واعتبر أقصى الأجلين، وزيد عليه العشر استظهارًا إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا تحس بها.
(ولا نكتحل) بالنصب وهو الذي في فرع اليونينية فقط عطفًا على المنصوب السابق كذا قرّروه، ولكن ردّه البدر الدماميني بأنه يلزم من عطفه عليه فساد المعنى لأن تقديره: كنا ننهى أن لا نكتحل نعم يصح العطف عليه على تقدير أن لا زائدة أكد بها في النهي معنى النفي، ورواية