الكاف أي من عقل أبي هريرة وكياسته وفيه أن النفق على الولد ما دام صغيرًا أو لا مال له ولا حِرفة لأن قوله إلى من تدعني؟ إنما هو قول من لا يرجع إلى شيء سوى نفقة الأب ومن له حِرفة أو مال غير محتاج إلى قول ذلك، واستدلّ بقوله: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني من قال يفرّق بين الرجل وزوجته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه كما يفسخ بالجب والعنة بل هذا أولى لأن الصبر عن التمتع أسهل منه عن النفقة ونحوها لأن البدن يبقى بلا وطء ولا يبقى بلا قوت وأيضًا منفعة الجماع مشتركة بينهما فإذا ثبت في المشترك جواز الفسخ لعدمه ففي عدم المختص بها أولى وقياسًا على المرقوق فإنه يبيعه إذا أعسر بنفقته ولا فسخ للزوجة بنفقة عن مدة ماضية إذا عجز عنها لتنزلها منزلة دين آخر يثبت في ذمته.
وقال الحنفية: إذا أعسر بالنفقة تؤمر بالاستدانة عليه ويلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] وغاية النفقة أن تكون دينًا في الذمة وقد أعسر بها الزوج فكانت المرأة مأمورة بالإنظار بالنص، ثم إن في إلزام الفسخ إبطال حقه بالكلية وفي إلزام الإنظار عليها والاستدانة عليه تأخير حقها دينًا عليه وإذا دار الأمر بينهما كان التأخير أولى به وفارق الجب والعنة والمملوك لأن حق الجماع لا يصير دينًا على الزوج ولا نفقة المملوك تصير دينًا على المالك ويخص المملوك أن في إلزام بيعه إبطال حق السيد إلى خلف هو الثمن فإذا عجز عن نفقته كان النظر من الجانبين في إلزامه ببيعه إذ فيه تخليص المملوك من عذاب الجوع وحصول بذل القائم مقامه للسيد بخلاف إلزام الفرقة فإنه إبطال حقه بلا بذل وهو لا يجوز بدلالة الإجماع على أنها لو كانت أم ولد عجز عن نفقتها لم يعتقها القاضي عليه قاله الشيخ كمال الدين.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء.
5356 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ، مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة المضمومة والفاء المفتوحة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد بن
مسافر) أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) قال في شرح السُّنّة: أي غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب التي تنوبه، وقال التوربشتي هو مثل قولهم هو على ظهر سير وراكب متن السلامة وممتط غارب الغير ونحو ذلك من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن من الشيء والاستواء عليه والتنكير فيه للتعظيم، وقال الطيبي: استعير الصدقة للإنفاق حثا عليه ومسارعة فيما يرجى منه جزيل الثواب ومن ثم أتبعه بما ينبغي أن تحمل فيه الصدقة على الإنفاق مطلقًا، وقوله: "وابدأ بمن تعول عليه" قرينة للاستعارة فيشمل النفقة على العيال وصدقتي التطوّع والواجب. وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعلى هذا كان من الظاهر أن يؤتى بالفاء فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضًا للترتيب إلى الذهن واهتمامًا بشأن الإنفاق.
(باب) جواز (حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال) وسقط لفظ نفقة لأبي ذر.
5357 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي. ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح (عن ابن عيينة) سفيان (قال: قال لي معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (قال لي الثوري) سفيان (هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو) قوت (بعض السنة)؟ شيئًا (قال معمر: فلم يحضرني) شيء في ذلك (ثم ذكرت حديثًا حدّثناه ابن شهاب) محمد بن مسلم (الزهري عن مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها سين مهملة ابن الحدثان (عن عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه - أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يبيع نخل بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة يهود خيبر مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما لم