وحرام فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود وأيضًا فكما أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد وأيضًا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز إيقاعه، فكذلك يفيد عدم نفوذه وإلاّ لم يكن للمنع فائدة لأن الزوج لو وكّل رجلًا أن يطلّق امرأته على وجه فطلّقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ، فكذلك لم يأذن الشارع لمكلّف في الطلاق إلاّ إذا كان مباحًا، فإذا طلّق طلاقًا محرمًا لم يصح وأيضًا فكل ما حرمه الله من العقود مطلوب الإعدام فالحكم ببطلان ما حرّمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه، ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه ثم ذكر معارضات أخرى لا تنهض مع التنصيص على صريح الأمر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق وعلى

تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة، والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار انتهى ملخصًا من الفتح.

وقد عطف المؤلّف على قوله في السند عن أنس بن سيرين قوله: (وعن قتادة) بن دعامة (عن يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الباهلي البصري (عن ابن عمر) أنه (قال) قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: (مره) أي مر ابنك (فليراجعها) أي امرأته التي طلقها في الحيض قال يونس بن جبير: (قلت) لابن عمر (تحتسب) مبني للمفعول التطليقة (قال: أرأيت) أي أخبرني، ولأبي ذر عن الكشميهني: أرأيته (إن عجز) عن فرض فلم يقمه (واستحمق) فلم يأتِ به أيكون ذلك عذرًّا له وقال النووي الهمزة في أرأيت للاستفهام الإنكاري أي نعم يحتسب الطلاق ولا يمنع احتسابه لعجزه وحماقته. وقال غيره: استحمق بفتح التاء والميم مبنيًّا للفاعل أي طلب الحمق بما فعله من طلاق امرأته وهي حائض أي أرأيت إن عجز الزوج عن السُّنَّة أو جهل السُّنَّة فطلّق في الحيض أيعذر لحمقه فلا يلزمه طلاق استبعادًا من ابن عمر أن يعذر أحد بالجهل بالشريعة وهو القول الأشهر أن الجاهل غير معذور، وقال ابن الخشاب: أي فعل فعلًا يصير به أحمق عاجزًا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهي حائض.

وقال الكرماني: يحتمل أن تكون أن نافية بمعنى لم يعجز ابن عمر ولا استحمق لأنه ليس بطفل ولا مجنون حتى لا يقع طلاقه والعجز لازم الطفل والحمق لازم الجنون فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم انتهى.

قال النووي: والقائل هذا الكلام ابن عمر يريد نفسه وإن عاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في مسلم أن ابن عمر قال: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت.

5253 - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ.

(وقال) ولأبي ذر حدّثنا (أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) أنه (قال حسبت) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (عليّ) بتشديد التحتية الطلقة التي طلقتها في الحيض (بتطليقة) فيه ردّ على ما تمسك به الظاهرية ومن نحا نحوهم في قوله: إنه لم يعتدّ بها ولم يرها شيئًا لأنه وإن لم يصرّح برفع ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن فيه تسليم أن ابن عمر قال: إنها حسبت عليه بتطليقة فكيف يجتمع هذا مع قوله إنه لم يعتد بها ولم يرها شيئًا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لأنه إن جعل الضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه القصة بخصوصها لأنه قال: حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئًا، أو كيف يظن به ذلك مع

اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك ليفعل ما يأمره به وإن جعل الضمير في لم يعتدّ بها ولم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه أكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور، وأما قول ابن القيم في الانتصار لشيخه لم يرد التصريح بأن عمر احتسب بتلك التطليقة إلا في رواية سعيد بن جبير عنه عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015