ومباحث ذلك تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح.
(باب) استحباب (القراءة) للقرآن (عن ظهر القلب) من غير نظر في المصحف لأن ذلك أمكن في التوصل إلى التعليم.
5030 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي. فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ لَهُ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ». فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا. عَدَّهَا قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتَكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القاريّ المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (أن امرأة) خولة أو غيرها كما مر قريبًا (جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي) أي أكون لك زوجة بلا مهر وفيه أنه ينعقد نكاحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ الهبة خصوصية له وليس المراد حقيقة الهبة لأن الحرّ لا يملك نفسه وليس له تصرف فيها ببيع ولا هبة في شريعتنا (فنظر إليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصعد النظر) بتشديد العين رفعه (إليها وصوّبه) بتشديد الواو وبعدها بموحدة خفضه (ثم طأطأ رأسه) خفضه (فلما رأت المرأة أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجل من أصحابه) لم يسم (فقال: يا رسول الله) وللأربعة أي رسول الله (إن لم يكن لك بها حاجبة فزوّجنيها) ولم يقل هبنيها لأن لفظ الهبة من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن بمعنى إذ لأنه لا يظن بالصحابي أن يسأل في مثل هذا إلا بعد أن يعلم بقرينة الحال أنه لا حاجة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها (فقال) عليه الصلاة والسلام (له):
(هل عندك من شيء) تصدقها (فقال: لا والله يا رسول الله) ما عندي شيء (قال) عليه الصلاة والسلام له: (اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا) عندهم تصدقها إياه (فذهب) الرجل (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا. قال: انظر ولو) كان الذي تجده (خاتمًا من حديد) ولأبي ذر خاتم بالرفع على أن كان المقدّرة تامة (فذهب) إلى أهله (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا) وجدت (خاتمًا) ولأبي ذر ولا خاتم (من حديد، ولكن هذا إزاري) أصدقها إياه (قال) ولأبي الوقت فقال (سهل) الساعدي مدرجًا في الحديث (ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما تصنع بإزارك إن لبسته) بسكون السين (لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته) بسكون الفوقية (لم يكن عليك شيء) أي منه (فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام فرآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا) مدبرًا ذاهبًا معرضًا (فأمر به فدعي) بضم الدال وكسر العين (فلما جاء قال) عليه الصلاة والسلام له: (ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا) بالتكرار ثلاثًا (عدّها) ولأبي ذر وعدّها وقد سبق قريبًا تفسيرهن (قال) عليه الصلاة والسلام: (أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال) ولأبي الوقت فقال: (نعم. قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن) كذا وقع هنا ملكتكها ورواية الأكثرين بلفظ زوجتكها قال الدارقطني وهو الصواب وجمع النووي بأنه يحتمل صحة اللفظين ويكون جرى لفظ التزويج أولًا ثم لفظ التمليك ثانيًا أي لأنه ملك عصمتها بالتزويج السابق.
وفي هذا الحديث فضيلة قراءة القرآن عن ظهر قلب وقد صرّح كثير بأن القراءة من
المصحف نظرًا أفضل من ظهر القلب واستدلّ له بحديث عند أبي عبيد في فضائل القرآن عن بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفعه فضل قراءة القرآن نظرًا على من يقرؤه ظهرًا كفضل الفريضة على النافلة وإسناده ضعيف وعن ابن مسعود موقوفًا بإسنادٍ صحيح أديموا النظر في المصحف والأولى أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
(باب استذكار القرآن) أي طلب ذكره بضم المعجمة (وتعاهده) أي تجديد العهد به بملازمة تلاوته.
5031 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إنما مثل صاحب القرآن) أي الذي ألف تلاوته مع القرآن (كمثل صاحب الإبل المعقلة) بضم الميم وسكون العين المهملة