الصلاة والسلام عن الاتكال وترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من امتثال أمر مولاه وعبوديته وتفويض الأمر إليه. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] ولا يدخل أحد الجنة بعمله (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى} الآية).
وقد ذكر ابن جرير أن هذه الآية نزلت في الصديق ثم روى بسنده إلى عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي
بني أراك تعتق أناسًا ضعافًا فلو أنك تعتق رجالًا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت إنما أريد ما عند الله قال فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه {فأما من أعطى} إلى آخرها وذكر غير واحد من المفسرين أن قوله تعالى {وسيجنبها الأتقى} [الليل: 17] إلى آخرها نزلت فيه أيضًا حتى أن بعضهم حكى إجماع المفسرين عليه ولا شك أنه داخل فيها وأولى لأمة بعمومها ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع الأوصاف الحميدة.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {إِذَا سَجَى}: اسْتَوَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَظْلَمَ وَسَكَنَ. {عَائِلًا}: ذُو عِيَالٍ.
([93] سُورَةُ وَالضُّحَى)
مكية وآيها إحدى عشرة.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي ذر.
(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: ({إذا سجى}) ولأبي ذر إذا سجا مكتوب بالألف بدل الياء (استوى. وقال غيره) غير مجاهد معناه (أظلم) ولأبي ذر سجا أظلم قاله الفراء وقال الفراء وقال ابن الأعرابي اشتدّ ظلامه (و) قيل (سكن) ومنه سجا البحر يسجو سجوًّا أي سكنت أمواجه وليلة ساجية ساكنة الريح ({عائلًا}) قال أبو عبيدة: أي (ذو عيال) يقال أعال الرجل أي كثر عياله وعال أي افتقر.
هذا (باب قوله: {ما ودعك}) ما تركك منذ اختارك ({ربك وما قلى}) وما أبغضك منذ أحبك وحذف المفعول استغناء بذكره فيما ممبق ومراعاة للفواصل وثبت باب لأبي ذر.
4950 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي الكوفي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) العبدي (قال: سمعت جندب بن سفيان) بضم الجيم والدال المهملة وفتحها أيضًا وهو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي (-رضي الله عنه- قال: اشتكى) مرض (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقم) للتهجد (ليلتين) وفي
نسخة ليلة بالإفراد (أو ثلاثًا) بالشك والنصب على الظرفية (فجاءت امرأة) هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان وهي حمالة الحطب زوج أبي لهب كما عند الحاكم (فقالت) متهكمة: (يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك) فتح القاف وكسر الراء قربه يقربه بفتح الراء متعديًا ومنه لا تقربوا الصلاة وأما قرب بضمها فهو لازم تقول قرب الشيء إذا دنا وقربته بالكسر أي دنوت منه وهنا متعدٍّ (من ليلتين أو ثلاثًا) نصب وفي نسخة أو ثلاث ولأبي ذر أو ثلاثة خفض بمنذ (فأنزل الله عز وجل ({والضحى}) وقت ارتفاع الشمس أو النهار كله ({والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}) وقدم الليل على النهار في السورة السابقة باعتبار الأصل والنهار في هذه باعتبار الشرف.
2 - باب قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ.
(باب قوله: {ما}) وللمستملي باب بالتنوين أي في قوله تعالى ما ({ودعك ربك وما قلى} تقرأ) ودعك (بالتشديد) في الدال وهي قراءة العامة (وبالتخفيف) وهي قراءة عروة وهشام ابنه وأبي حيوة وابن أبي عبلة وهما (بمعنى واحد) أي (ما تركك ربك. وقال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم (ما تركك وما أبغضك).
4951 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلاَّ أَبْطَأَكَ. فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر غندر) ولأبي ذر إسقاط محمد بن جعفر وقال حدّثنا غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأسود بن قيس) العبدي أنه (قال: سمعت جندبًا البجلي) بفتح الموحدة والجيم يقول (قالت امرأة) هي خديجة أم المؤمنين توجعًا