السابق وإنما أفرد النبيذ لأنه محل الخلاف في التوضؤ، والمراد بالنبيذ ما لم يبلغ إلى حدّ الإسكار ولابن عساكر وأبي الوقت ولا بالمسكر (وكرهه) أي التوضؤ بالنبيذ (الحسن) البصري فيما رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريقين عنه قال: لا يتوضأ بنبيذ. وروى أبو عبيدة من طريق أخرى عنه أنه لا بأس به، وحينئذ فكراهته عنده للتنزيه (و) كذا كرهه (أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء ثم المثناة التحتية فيما رواه أبو داود في سننه بسند جيد عن أبي خلدة فقال: قلت لأبي العالية رجل ليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به من الجنابة، قال: لا وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ أنه كره أن يغتسل بالنبيذ.
(وقال عطاء) أي ابن أبي رباح (التيمم أحب إليّ من الوضوء بالنبيذ) بالمعجمة (واللبن) روى أبو داود من طريق ابن جرير عن عطاء أنه كره الوضوء بالنبيذ واللبن. وقال: إن التيمم أعجب إليّ منه، وجوّز الأوزاعي الوضوء بسائر الأنبذة، وأبو حنيفة بنبيذ التمر خاصة خارج المصر والقرية عند فقد الماء بشرط أن يكون حلوًا رقيقًا سائلاً على الأعضاء كالماء. وقال محمد: يجمع بينه وبين التيمم، وقال أبو يوسف كالجمهور لا يتوضأ به بحال، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإليه رجع أبو حنيفة كما قاله قاضي خان، لكن في المفيد من كتبهم إذا ألقي في الماء تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء جاز التوضؤ به بلا خلاف يعني عندهم، واحتجوا بحديث ابن مسعود ليلة الجنّ إذ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أمعك ماء"؟ فقال: نبيذ. فقال: "أصبت شراب وطهور" أو قال: "ثمرة طيبة وماء طهور" ورواه أبو داود والترمذي فتوضأ به. وأجيب بأن علماء السلف أطبقوا على تضعيف هذا الحديث. ولئن سلمنا
صحته فهو منسوخ لأن ذلك كان بمكة ونزول قوله تعالى: {فتيمموا} كان بالمدينة بلا خلاف عند فقد عائشة رضي الله تعالى عنها العقد. وأجيب: بأن الطبراني في الكبير والدارقطني رويا أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأعلى مكة فهمز له بعقبه فأنبع الماء وعلمه الوضوء. وقال السهيلي الوضوء مكي ولكنه مدني التلاوة، وإنما قالت عائشة آية التيمم ولم تقل آية الوضوء لأن الوضوء كان مفروضًا قبل غير أنه لم يكن قرآنًا يُتلى حتى أنزلت آية التيمم، وحكى عياض عن أبي الجهم أن الوضوء كان سُنّة حتى نزل القرآن بالمدينة انتهى. أو هو محمول على ما ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفًا، وأما اللبن الخالص فلا يجوز التوضؤ به إجماعًا فإن خال ماء فيجوز عند الحنفية.
242 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». [الحديث 242 - طرفاه في: 5585، 5586].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني بكسر الدال (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم وللأصيلي عن الزهري (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال كل شراب أسكر) كثيره (فهو حرام) قليله وكثيره وحدّ شاربه المكلف قليلاً كان أو كثيرًا من عنب أو تمر أو حنطة أو لبن أو غيرها نيئًا كان أو مطبوخًا وقال أبو حنيفة. نقيع التمر والزبيب إذا اشتد كان حرامًا قليله وكثيره ويسمى نقيعًا لا خميرًا، فإن أسكر ففي شربه الحد وهو نجس فإن طبخا أدنى طبخ حلّ منهما ما غلب على ظن الشارب منه أنه لا يسكر من غير لهو ولا طرب، فإن اشتدّ حرم الشرب منهما ولم يتغير في طبخهما أن يذهب ثلثاهما، وأما نبيذ الحنطة والذرة والشعير والأرز والعسل فإنه حلال عنده نقيعًا أو مطبوخًا، وإنما يحرم المسكر ويحدّ فيه، واستدل بحديث ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا وإنما حرّمت الخمر لعينها والمسكر من كل شراب، فهذا يدل على أن الخمر قليلها وكثيرها أسكرت أم لا حرام، وعلى أن غيرها من الأشربة إنما يحرم عند الإسكار، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيدًا لهذا في بابه بحول الله وقوّته. فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب؟ أجيب: بأن المسكر حرام شربه وما لا يحل شربه لا يحل التوضؤ به اتفاقًا، وبأن النبيذ خرج عن اسم الماء لغة وشرعًا، وحينئذ فلا يتوضأ يه.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني ومديني وكوفي وفيه رواية تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الأشربة، وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.