تاب الله على كعب (قال) كعب: (فخررت ساجدًا) شكرًا لله (وعرفت أن قد جاء فرج وآذن) بالمد أي أعلم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا)، أيها الثلاثة بتوبة الله علينا (وذهب قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (صاحبيّ) مرارة وهلال (مبشرون) يبشرونهما (وركض إليّ) بتشديد الياء أي استحث (رجل فرسًا) للعدو وعند الواقدي أنه الزبير بن العوّام (وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل)، هو حمزة بن عمرو الأسلمي رواه الوقدي. وعند ابن عائذ أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- لكنه صدره بقوله زعموا (وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته) هو حمزة الأسلمي (يبشرني نزعت له ثوبي) بتشديد الياء بالتثنية (فكسوته إياهما ببشراه) لي بتوبة الله عليّ (والله ما أملك) من الثياب (غيرهما يومئذ) وقد كان له مال غيرهما كما صرح به فيما يأتي (واستعرت ثوبين) أي من أبي قتادة كما عند الواقدي (فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا) جماعة جماعة (يهنوني) ولأبي ذر: يهنونني (بالتوبة يقولون: لتهنك) بكسر النون (توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس حوله الناس فقام إليّ) بتشديد الياء (طلحة بن عبيد الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة (يهرول) أي يسير بين المشي والعدو (حتى صافحني وهناني والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره) وكانا أخوين آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما كذا قاله البرماوي كغيره، وتعقب بأن الذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخًا في أخوة المهاجري فهو أخو أخيه (ولا أنساها لطلحة) أي هذه الخصلة وهي بشارته إياي بالتوبة أي لا أزال أذكر إحسانه إليّ بذلك وكنت رهين مسرته (قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يبرق وجهه من السرور):
(أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى يوم إسلامه وهو مستثنى تقديرًا، وإن لم ينطق به أوان يوم توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها (قال) كعب: (قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله) زاد ابن أبي شيبة أنتم صدقتم الله فصدقكم.
(وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سرّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول (استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) قيل: قال قطعة قمر احترازًا من السواد الذي في القمر أو إشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين الذي فيه يظهر السرور. قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكان التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر (وكنا نعرف ذلك منه) أي الذي يحصل له من استنارة وجهه عند السرور (فلما جلست بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع) أخرج (من) جميع (مالي صدقة) قال الزركشي وتبعه البرماوي وابن حجر وغيرهما: هي مصدر فيجوز انتصابه بانخلع لأن معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي متصدقًا، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن الصدقة مصدر، وإنما هي اسم لما يتصدق به ومنه قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] وفي الصحاح: الصدقة ما تصدق به على الفقراء فعلى هذا يكون نصبها على الحال من مالي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صدقة خالصة لله ولرسول الله، فإلى بمعنى اللام، ولأبي ذر إلى رسوله (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): له خوفًا عليه من تضرره بالفقر وعدم صبره على الإضافة:
(أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي