القليب المذكور كان قد حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار (وكان) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا ظهر) أي غلب (على قوم أقام بالعرصة) بفتح العين وسكون الراء كل موضع واسع لا بناء فيه (ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر) عليه الصلاة والسلام (براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه) بفتح الفوقية وكسر الموحدة في الفرع والذي في أصله والناصرية واتبعه بألف وصل وسديد الفوقية وفتح الموحدة (وقالوا: ما نرى) بضم النون ما نظن (ينطلق) عليه الصلاة والسلام (إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركيّ) أي طرف البئر ولأبي ذر: شفير بدل شفة الركي بفتح الراء وكسر الكاف التحتية البئر قبل أن تطوى ويجمع بينه وبين السابق بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يناديهم) أي قتلى كفار قريش (بأسمائهم وأسماء آبائهم) توبيخًا لهم (يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان). وفي رواية حميد عن أنس -رضي الله عنه- عند أحمد وابن إسحاق فنادى: يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام، ولم يكن أمية بن خلف في القليب لأنه كان ضخمًا فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيّبه، فالظاهر أنه كان قريبًا من القليب فناداه مع من نادى من رؤسائهم (أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا) من الثواب (حقًّا) قال: (فهل وجدتم ما وعد ربكم)؟ من العذاب (حقًّا) وتقديره وعدكم ربكم فحذف كم لدلالة ما وعدنا ربنا عليه (قال) أبو طلحة: (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مستفهمًا (يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها) ولأبي ذر عن الكشميهني فيها (فقال رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) من القتلى الذين ألقوا في القليب.
(قال قتاة): بالإسناد السابق (أحياهم الله حتى أسمعهم قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (توبيخًا وتصغيرًا ونقمة) كذا بفتح النون وكسر القاف مصححًا عليهما في حاشية اليونينية في أصلهما نقيمة بزيادة تحتية ساكنة بعد القاف لكنه ضبب عليها وفي الناصرية نقمة بكسر النون وسكون القاف (وحسرة وندمًا) أي لأجل التوبيخ فالمنصوبات للتعليل ومراد قتادة بهذا التأويل الردّ على من أنكر أنهم لا يسمعون.
3977 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبرهيم: 28] قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ نِعْمَةُ اللَّهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبرهيم: 28] قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ. [الحديث 3977 - طرفه في: 4700].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عن عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أنس رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({والذين بدلوا نعمة الله كفرًا}) [إبراهيم: 28] (قال: هم والله كفار قريش) بدلوا أي غيروا نعمة الله عليهم في محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث ابتعثه منهم كفروا به (قال عمرو): هو ابن دينار (هم قريش ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعمة الله) أنعم به عليهم فكفروا نعمة الله عز وجل ({وأحلوا قومهم}) الذين تابعوهم على الكفر ({دار البوار}) [إبراهيم: 28] (قال) عمرو مما هو موقوف عليه كالسابق: (النار) نصب على المفعولية (يوم بدر) ظرف لأحلوا.
3978 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ». فَقَالَتْ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ».
3979 - قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ». ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 35].
تَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة أنه (قال: ذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف (عند عائشة -رضي الله عنها- أن ابن عمر رفع إلى النبي) أي قال قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الميت يعذب) بفتح الذال المعجمة ولأبي ذر ليعذب (في قبره ببكاء أهله) عليه. ولمسلم
عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكر عندها أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه أي سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا. فليس الحكم مختصًّا بأهله فقوله هنا ببكاء أهله خرج مخرج الغالب (فقالت: إنما) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالت: وهل بكسر الهاء أي غلط وبفتحها نسي ابن عمر -رحمه الله- إنما (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله) أي والحال