مؤتة وعين تطعنوا في الموضعين بضمها في الفرع. وقال الكرماني: يقال طعن بالرمح واليد يطعن بالضم، وطعن في العرض والنسب يطعن بالفتح، وقيل ما لغتان فيهما. وقال الطيبي: هذا الجزاء إنما يترتب على الشرط بتأويل التنبيه والتوبيخ أي طعنكم الآن فيه سبب لأن أخبركم أن ذلك من عادة الجاهلية وهجيراهم ومن ذلك طعنكم في أبيه من قبل. نحو قوله تعالى: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} [يوسف: 77].
وقال التوربشتي: إنما طعن من طعن في إمارتهما لأنهما كانا من الموالي وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف، فلما جاء الله عز وجل بالإسلام ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر بالسابقة والهجرة والعلم والتقى عرف حقهم المحفوظون من أهل الدين، فأما المرتهنون بالعادة والممتحنون بحب الرئاسة من الأعراب ورؤساء القبائل فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك لا سيما أهل النفاق فإنهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدة النكير عليه، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بعث زيدًا أميرًا على عدة سرايا وأعظمها جيش مؤتة وسار تحت رايته فيها نجباء الصحابة وكان خليقًا بذلك لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أمّر أسامة في مرضه على جيش فيهم جماعة من مشيخة الصحابة وفضلائهم وكأنه رأى فى ذلك سوى ما توسم فيه من النجابة أن يمهد الأرض وتوطئه لمن يلي الأمر بعده لئلا ينزع أحد يدًا من طاعة وليعلم كل منهم أن العادات الجاهلية قد عميت مسالكها وخفيت معالمها.
(وايم الله إن كان) زيد (لخليقًا) بالخاء المعجمة المفتوحة والقاف أي والله إن الشأن، وفي أصل ابن مالك: وايم الله لقد كان خليقًا (للإمارة) أي حقيقًا بها (وإن كان لمن أحب الناس إليّ) سقطت لام لمن من أصل ابن مالك، وقال: استعمل أن المخففة المتروكة العمل عاريًا بعدها من اللام الفارقة لعدم الحاجة إليها، وذلك لأنه إذا خففت أن صار لفظها كلفظ إن النافية فيخاف التباس الإثبات بالنفي عند ترك العمل فالتزموا اللام المؤكدة مميزة لها، ولا يثبت ذلك إلا في
موضع صالح للإثبات والنفي نحو: إن علمتك لفاضلاً فاللام هنا لازمة إذ لو حذفت مع كون العمل متروكًا وصلاحية الموضع للنفي لم يتيقن الإثبات، فلو لم يصلح الموضع للنفي جاز وثبوت اللام وحذفها (وإن هذا) أسامة بن زيد (لمن أحب الناس إليّ بعده). أي بعد أبيه زيد.
وفي الحديث جواز إمارة الموالي وتولية الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل، والحديث من أفراده.
3731 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَىَّ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاهِدٌ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، قَالَ فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْجَبَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنه (قالت: دخل عليّ قائف) قبل نزول الحجاب أو بعده وهي محتجبة والقائف هو الذي يلحق الفروع بالأصول بالشبه والعلامات، والمراد به هاهنا مجزز بالجيم والزاي المشددة بعدها زاي أخرى المدلجي (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان) تحت كساء وأقدامهما ظاهرة (فقال): القائف مجزز (إن هذه الأقدام) أقدام أسامة وأبيه (بعضها من بعض. قال: فسرّ بذلك) الذي قاله القائف (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعجبه فأخبر به) بالفاء في فأخبر ولأبوي الوقت وذر: وأخبر به (عائشة) -رضي الله عنها-. قال في العمدة: لعله عليه الصلاة والسلام لم يعلم أنها معه، ولم يظهر وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. قيل يستأنس له بقوله: فسرّ بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخ ..
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح.
(باب ذكر أسامة بن زيد) قال البرماوي كالكرماني: إنما لم يقل مناقب كما قال فيما سبق لأن المذكور في الباب أعم من المناقب كالحديث الثاني، وسقط باب لأبي ذر فاللاحق مرفوع.
3732 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البغلاني وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد