هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: البحيرة) بفتح الموحدة وكسر المهملة فعيلة بمعنى مفعولة هي (التي يمنع درّها) أي لبنها (للطواغيت) بالمثناة الفوقية أي لأجل الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان وكل رأس في الضلال والمراد هنا الأصنام (ولا يحلبها أحد من الناس) تعظيمًا للطواغيت (والسائبة) هي (التي كانوا يسيبونها) يتركونها (لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) ولا تركب، وكان الرجل يجيء بها إلى السدنة فيتركها عندهم (قال) سعيد بن المسيب بالاسناد السابق (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي) وسقط لأبي ذر ابن لحي، وهذا مغاير لما سبق من نسب عمرو بن لحي إلى مضر، فإن عامرًا هو ابن ماء السماء بن سبأ وهو جدّ جدّ عمرو بن لحي عند من ينسبه إلى اليمن، ويحتمل أن يكون نسب إليه بطريق التبني كما سبق (يجر قصبه) بضم القاف وسكون المهملة وبالموحدة أمعاءه (في النار وكان) أي عمرو (أول من سيب السوائب) أي أول من ابتاع هذا الرأي الخبيث وجعله دينًا.
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المائدة، وفي رواية أبي ذر هنا ذكر قصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم السابق قبل بابين، وهذا في الفرع ونصه هنا قصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم عنده يعني أبا ذر.
11 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ
(باب قصة زمزم) ولأبي ذر: قصة إسلام أبي ذر -رضي الله عنه-، وعند العيني باب قصة زمزم وفيه إسلام أبي ذر.
3523 - حَدَّثَنَا زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَخْزَمَ قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَصِيرُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: «قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسِ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا. ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَىْءٍ وَلاَ أُخْبِرُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَىْءٍ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي، قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَىَّ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي، وَامْضِ أَنْتَ. فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ، فَعَرَضَهُ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ. اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ. فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَقَامُوا: فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ, تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ؟ فَأَقْلَعُوا عَنِّي. فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ». [الحديث 3523 - طرفه في: 3861].
وبه قال: (حدّثنا زيد هو ابن أخزم) بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الزاي المعجمتين آخره ميم الطائي الحافظ البصري وهو من أفراد البخاري وسقط هو ابن أخزم لأبي ذر (قال أبو قتيبة): بضم القاف مصغرًا، ولأبي ذر قال: حدّثنا أبو قتيبة (سالم بن قتيبة) كذا في الفرع سالم بألف بعد السين والذي في اليونينية وفرعها وقف آقبغا آص وغيرهما من الأصول المعتمدة وذكر مصنفو أسماء الرجال سلم بغير ألف وسكون اللام بعد الفتح الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة الخراساني سكن البصرة قال: (حدّثني) بالإفراد (مثنى بن سعيد) ضد المفرد وسعيد بكسر العين (القصير) بفتح القاف ضد الطويل القسام الضبعي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي (قال، قال لنا ابن عباس) -رضي الله عنهما- (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (أخبركم بإسلام أبي ذر؟) الغفاري (قال: قلنا بلى) أخبرنا (قال قال أبو ذر كنت رجلاً من) حي (غفار فبلغنا أن رجلاً) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد خرج) أي ظهر (بمكة) حال كونه (يزعم أنه نبي) يأتيه الخبر من السماء (فقلت لأخي) أنيس: (انطلق إلى هذا الرجل) الذي يزعم أنه نبي فإذا اجتمعت به (كلمه) ولمسلم واسمع قوله (وائتني بخبره فانطلق) أنيس حتى أتى مكة (فلقيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع قوله (ثم رجع) إلى أخيه أبي ذر قال (فقلت): أي لأنيس (ما عندك؟) من خبره عليه الصلاة والسلام (فقال):
(والله لقد رأيت رجلاً بأمر بالخبر وينهى عن الشر) ولمسلم رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشعر قال أبو ذر (فقلت له: لم تشفني من الخبر) أي لم تجيء بجواب يشفيني من مرض الجهل (فأخذت) بقصر الهمزة وتاء المتكلم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فآخذ بمد الهمزة وضم الخاء من غير تاء (جرابًا) بكسر الجيم (وعصا) ولمسلم أنه تزوّد وحمل شنة له فيها ماء قال (ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه) بفتح الهمزة وسكون العين وكسر الراء (وأكره أن أسأل عنه) قريبًا فيؤذوني (أشرب من ماء زمزم). وعند مسلم من حديث عبد الله بن الصامت: وما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع أي رقة الجوع وضعفه وهزاله فإنه لكثرة سمنه انثنت عكن بطنه (وأكون في المسجد) الحرام (قال: فمرّ بي عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (فقال) لي: (كأن الرجل غريب