فقمت عن يساره وربما قال سفيان) بن عيينة (عن شماله) وهو إدراج من ابن المديني (فحوّلني) عليه الصلاة والسلام (فجعلني عن يمينه ثم صلى) عليه الصلاة والسلام (ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتاه المنادي فآذنه) بالمد أي أعلمه وفي رواية يؤذنه بلفظ المضارع من غير فاء وللمستملي فناداه (بالصلاة فقام) المنادي (معه) عليه السلام (إلى الصلاة فصلى) عليه السلام (ولم يتوضأ) من النوم. قال سفيان بن عيينة: (قلنا لعمرو) أي ابن دينار (إن ناسًا يقولون: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه ولا ينام قلبه) ليعي الوحي إذا أُوحي إليه في المنام (قال عمرو) المذكور (سمعت عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما ابن قتادة الليثي الكي التابعي (يقول: رؤيا الأنبياء وحي) رواه مسلم مرفوعًا، (ثم قرأ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] واستدلاله بهذه الآية من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيًا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الإِنْقَاءُ.
هذا (باب إسباغ الوضوء) أي إتمامه من قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه} [لقمان: 20] أي أتمها (وقال ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح (إسباغ الوضوء الإنقاء) وهو من تفسير الشيء بلازمه إذ الإتمام يستلزم الإنقاء عادة، وكان ابن عمر يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات كما رواه ابن المنذر بسند صحيح، وإنما بالغ فيهما دون غيرهما لكونهما محلاً للأوساخ غالبًا لاعتيادهم المشي حفاة، واستشكل بما تقدم من أن الزيادة على الثلاث ظلم وتعدّ، وأجيب: بأنه فيمن لم يرَ الثلاث سنة أما إذا رآها وزاد على أنه من باب الوضوء على الوضوء يكون نورًا على نور. وقال في المصابيح: والمعروف في اللغة أن إسباغ الوضوء إتمامه وإكماله والمبالغة فيه.
139 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ. فَرَكِبَ. فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. [الحديث 139 - أطرافه في: 181، 1667، 1669، 1672].
وبالسند إلى البخاري رحمه الله تعالى قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش المدني، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة ذي المغازي التي هي أصح المغازي (عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد) أي ابن حارثة الكلبي المدني الحب ابن الحب وأمه أم أيمن المتوفى بوادي القرى سنة أربع وخمسين له في البخاري سبعة عشر حديثًا (أنّه سمعه يقول):
(دفع) أي رجر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) وقوف (عرفة) بعرفات الأوّل غير منوّن وهو اسم للزمان وهو التاسع من ذي الحجة، والثاني الوضع الذي يقف به الحاجّ وحينئذ فيكون المضاف فيه محذوفًا (حتى إذا كان) عليه السلام (بالشعب) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة الطريق المعهودة للحاج (نزل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فبالَ ثم توضأ) بماء زمزم كما في زوائد المسند بإسناد حسن (ولم يسبغ الوضوء) أي خفّفه لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، وفي مسلم فتوضأ وضوءًا خفيفًا، وقيل: معناه توضأ مرة مرة لكن بالإسباغ أو خفّف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عاداته، واستبعد القول بأن المراد به الوضوء اللغوي وأبعد منه القول بأن المراد به الاستنجاء، ومما يقوّي استبعاده قوله في الرواية الآتية إن شاء
الله تعالى في باب الرجل يوضئ صاحبه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصبّ الماء عليه ويتوضأ، إذ لا يجوز أن يصبّ عليه أسامة إلا وضوء الصلاة لأنه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته. (فقلت الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بتقدير أتريد أو أتصلي الصلاة (يا رسول الله فقال) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي قال: (الصلاة) بالرفع على الابتداء وخبره (أمامك) بفتح الهمزة أي وقت الصلاة أو مكانها قدامك، (فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ) بماء زمزم أيضًا (فأسبغ الوضوء).
فإن قلت: لِمَ أسبغ هذا الوضوء وخفّف ذلك؟ أجيب: بأن الأوّل لم يرد به الصلاة وإنما أراد به دوام الطهارة وفيه استحباب تجديد الوضوء وإن لم يصل بالأوّل، لكن ذهب جماعة إلى أنه ليس له ذلك قبل أن يصلي به لأنه لم يوقع به عبادة ويكون كمن زاد على ثلاث في وضوء واحد وهذا هو الأصح عند الشافعية، قالوا: ولا يسنّ تجديده إلاّ إذا صلى بالأوّل صلاة فرضًا أو نفلاً.
(ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب) قبل حط الرحال (ثم أناخ كل إنسان) منا (بعيره في منزله ثم