فلما رآه) إسماعيل (قام إليه صنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد) من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك. وفي رواية معمر قال: سمعت رجلاً يقول بكيا حتى أجابهما الطير (ثم قال) إبراهيم عليه السلام (يا إسماعيل إن الله) عز وجل (أمرني بأمر. قال) إسماعيل (فاصنع ما أمرك) به (ربك. قال: وتعينني)؟ عليه (قال: وأعينك) ولأبي ذر عن الكشميهني فأعينك (قال) إبراهيم: (فإن الله أمرني أن ابني هاهنا بيتًا وأشار إلى أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم إلى رابية (مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا) إبراهيم وإسماعيل ولأبي ذر رفع بالإفراد أي إبراهيم (القواعد من البيت) جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ورفعها البناء عليها فإنه ينقلها عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع (فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء) زاد أبو جهم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعًاً كان ذلك بذراعهم (جاء) أي إسماعيل (بهذا الحجر) حجر المقام (فوضعه له) للخليل (فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع}) لدعائنا ({العليم}) ببنائنا (قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}) وقد قيل: ليس في العالم بناء أشرف من الكعبة لأن الآمر بمعمارته رب العالمين، والمبلغ والمهندس جبريل الأمين، والباني هو الخليل والتلميذ المعين إسماعيل.
3365 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ. قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ. قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا. قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا. فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ -تَعْنِي الصَّبِيَّ- فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَإِذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ، فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِرُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا، قَالَ: فَجَعَلَتْ
تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا. قَالَ فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ، أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمُ امْرَأَةً. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ. قَالَ: قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلاَ تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ، وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ -قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلاً لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا. قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ. قَالَ: إِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ -أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم العقدي (قال: حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي (عن كثير بن كثير) بالمثلثة فيهما ابن المطلب بن أبي وداعة (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لما كان بين إبراهيم) الخليل (وبين أهله) سارة، وسقط وبين لابن عساكر (ما كان) من جنس الخصومة لما داخل سارة من الغيرة بسبب ولادة هاجر إسماعيل (خرج) إبراهيم (بإسماعيل وأم إسماعيل) إلى مكة (ومعهم شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشددة قربة يابسة (فيها ماء فجعلت أم إسماعيل) هاجر (تشرب من الشنة فيدرّ لبنها) بفتح الياء وكسر الدال المهملة (على صبيها حتى قدم مكة فوضعها) هي وإسماعيل (تحت دوحة) شجرة زاد في الرواية السابقة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذٍ أحد وليس بها ماء (ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته) بتشديد الفوقية (أم إسماعيل) ومعها إسماعيل (حتى لما بلغوا كداء) بفتح الكاف والدال المهملة ممدودًا أعلى مكة ولأبي ذر وابن عساكر كدى بضم الكاف وتنوين الدال مفتوحة من غير همز والذي في اليونينية كدى من غير تنوين (نادته) هاجر (من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله). عز وجل (قالت: رضيت بالله. قال: فرجعت) إلى موضعها الأوّل (فجعلت تشرب من الشنة ويدرّ لبنها على صبيها) أي إسماعيل (حتى لما فني الماء) وانقطع لبنها (قالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحدًا) أي أشعر به أو أراه (قال: فذهبت) ولأبي ذر إسقاط لفظ قال (فصعدت الصفا) بكسر العين (فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا) فهبطت من الصفا (فلما بلغت الوادي
سعت) سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي (وأتت) بالواو ولأبي ذر أتت (المروة) فقامت عليها ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا (ففعلت) ولأبي ذر وفعلت (ذلك أشواطًا) سبعة (ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي) إسماعيل (فذهبت فنظرت) إليه (فإذا هو على حاله كأنه ينشغ) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فشين مفتوحة فغين معجمتين يشهق من صدره (للموت) من شدة ما يرد عليه (فلم تقرها نفسها) بضم المثناة الفوقية وكسر القاف وتشديد الراء ونفسها رفع على الفاعلية أي لم تتركها نفسها مستقرّة فتشاهده في حال الموت (فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحدًا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس