بأنهم نصف أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاء رجاه لأمته ثم أعلمه الله تعالى بعد ذلك أن أمته ثلثًا أهل الجنة (فكبرنا) سرورًا بما أنعم الله به تعالى وتكريرًا لإعطاء ربعًا ثم نصفًا لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام مع الحمل لهم على تجديد الشكر. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنتم في الناس) في المحشر (إلا كالشعرة السوداء) بفتح العين (في جلد ثور أبيض) سقط لابن عساكر لفظ جلد (أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود) وأو للتنويع أو شك من الراوي. وهذا في المحشر كما مرّ. وأما في الجنة فهم نصف الناس هناك أو ثلثاهم كما مرّ.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف إذ فيه الإِشارة إلى كثرتهم وأن هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر العُشر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في أواخر الرقاق بعون الله تعالى وقوته.

8 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 165] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله} [النحل: 120]

وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.

(باب قول الله تعالى {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125]. الخليل مشتق من الخلة بالفتح وهي الحاجة سميت خلة للاختلال الذي يلحق الإنسان فيها وسمي إبراهيم خليلاً لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله تعالى في كل حال، وهذا الفقر أشرف غنى بل أشرف فضيلة يكتسبها الإنسان، ولهذا ورد: اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك، وقيل من الخلة بالضم وهي المودّة الخالصة أو من التخلل. قال ثعلب: لأن مودته تتخلل القلب وأنشد:

قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا

وقال الزجاج: معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه أحبه محبة كاملة ليس فيها نقص ولا خلل. وقال القرطبي: الخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى عالم، وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب، وقيل الخليل هو الذي يوافقك في خلالك. قال عليه السلام: تخلقوا بأخلاق الله فلما بلغ إبراهيم في هذا الباب مبلغًا لم يبلغه أحد ممن تقدمه لا جرم خصه الله تعالى بهذا الاسم. وقال الإمام فخر الدين إنما سمي خليلاً لأن محبة الله تخللت في جميع قواه فصار بحيث لا يرى إلا الله ولا يتحرك إلا لله ولا يسكن إلا لله ولا يمشي إلا لله ولا يسمع إلا بالله فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها

وغاص في جواهرها ووغل في ماهيتها. وقال في الكشاف: هو مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، والخليل المخالّ وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخلط وهو الطريق في الرمل اهـ.

قال في فتوح الغيب قوله تشبه كرامة الخليل بعد قوله مجاز عن اصطفائه إيذان بأن المجاز من باب الاستعارة التمثيلية، واختلف في السبب الذي من أجله {اتخذ الله إبراهيم خليلاً} [النساء: 125]. فقيل كما ذكره ابن جرير وغيره أنه أصاب الناس أزمة، وكانت الميرة تأتيه من خليل له بمصر فأرسل إبراهيم غلمانه ليمتاروا له منه فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ولكن يريدها للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الأزمة والشدة فرجعوا بغير شيء فاجتازوا ببطحاء لينة فقالوا: لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة فإنا نستحي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة فملأوا تلك الغرائر ثم أتوا إبراهيم فلما أعلموه ساءه ذلك فغلبته عيناه فنام وكانت امرأته سارة نائمة فاستيقظت وقد ارتفع النهار فقالت: سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا: بلى. فقامت إلى الغرائر فأخرجت منها أحسن حوّاري فاختبزت وأطعمت واستيقظ إبراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال: من أين لكم هذا؟ فقالت: من خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي الله فسماه الله تعالى خليلاً، وعلى هذا فإطلاق اسم الخلة على الله على سبيل المشاكلة لأن جوابه عليه السلام بل من عند خليلي الله في مقابلة قولها من خليلك المصري، وقيل لما أراه الله ملكوت السماوات والأرض وحاج قومه في الله ودعاهم إلى توحيده ومنعهم من عبادة النجوم والشمس والقمر والأوثان وبذل نفسه للإلقاء في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015