خلق آدم من تراب فجعله طينًا، ثم ترك حتى إذا كان حمأ مسنونًا خلقه وصوره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار كان إبليس يمرّ به فيقول: خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه فعطس فقال: الحمد لله. فقال الله: يرحمك ربك" الحديث.

وفي حديث أبي موسى أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان مرفوعًا: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض"، ففي هذا أن الله تعالى لما أراد إبراز آدم من العدم إلى الوجود قلبه في ستة أطوار: طور التراب وطور الطين اللازب وطور الحمأ وطور الصلصال وطور التسوية وهو جعل الخزقة التي هي الصلصال عظمًا ولحمًا ودمًا ثم نفخ فيه الروح، وقد خلق الله تعالى الإنسان على أربعة أضرب: إنسان من غير أب ولا أم وهو آدم، وإنسان من أب لا غير وهو حواء، وإنسان من أم لا غير وهو عيسى، وإنسان من أب وأم وهو الذي خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب يعني من صلب الأب وترائب الأم، وهذا الضرب يتم بعد ستة أطوار أيضًا. النطفة ثم العلقة، ثم المضعة، ثم العظام، ثم كسوة العظام لحمًا، ثم نفخ الروح فيه، وقد شرف الله تعالى هذا الإنسان على سائر المخلوقات فهو صفوة العالم وخلاصته وثمرته قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]. {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه} [الجاثية: 13].

ولا ريب أن من خلقت لأجله وسببه جميع المخلوقات علويها وسفليها خليق بأن يرفل في ثياب الفخر على من عداه، وتمتدّ إلى اقتطاف زهرات النجوم يداه، وقد خلقه الله تعالى واسطة بين شريف وهو الملائكة، ووضيع وهو الحيوان. ولذلك كان فيه قوى العالمين وأهل لسكنى الدارين فهو كالحيوان في الشهوة وكالملائكة في العلم والعقل والعبادة وخصه رتبة النبوة، واقتضت الحكمة أن تكون شجرة النبوّة صنفًا منفردًا ونوعًا واقعًا بين الإنسان والملك ومشاركًا لكل واحد منهما على وجه فإنه كالملائكة في الاطّلاع على ملكوت السماوات والأرض، وكالبشر في أحوال المطعم والمشرب، وإذا طهر الإنسان من نجاسته النفسية وقاذوراته البدنية وجعل في جوار الله كان حينئذٍ أفضل من الملائكة. قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [الرعد: 23].

وفي الحديث: الملائكة خدم أهل الجنة.

قال ابن كثير: واختلف هل ولد لآدم في الجنة؟ فقيل: لا. وقيل: ولد له فيها قابيل وأخته. قال: وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى. وفي تاريخ ابن جرير أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، وقيل مائة وعشرين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى أوّلهم قابيل وأخته أقليمًا، وآخرهم عبد المغيث وأخته أمة المغيث، وقيل: إنه لم يمت حتى رأى من ذريته من ولده وولد ولده أربعمائة ألف نسمة والله أعلم.

وذكر السدي عن ابن عباس وغيره أنه كان يزوّج ذكر كل بطن بأنثى الآخر، وأن هابيل أراد أن يتزوج أخت قابيل فأبى فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تتزوج أختي فقال: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27]. وضربه فقتله وكانت مدة حياة آدم ألف سنة. وعن عطاء الخراساني مما رواه ابن جرير أنه لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام.

3327 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، الأَلنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ».

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البلخي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة) بضم العين ابن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(إن أول زمرة) أي جماعة (يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر) في الحسن والإضاءة (ثم الذين يلونهم) وفي باب ما جاء في صفة الجنة من طريق الأعرج عن أبي هريرة: ثم الذين على أثرهم (على أشد كوكب دري) بضم الدال وتشديد الراء والتحتية من غير همز (في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون) بكسر الفاء وفي باب ما جاء في صفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015