(فأبوا أن يضيفوهما) ولم يجدوا في تلك القرية قرى ولا مأوى وكانت ليلة باردة (فوجدا فيها) أي في القرية (جدارًا) على شاطئ الطريق وكان سمكه مائتي ذراع بذراع تلك القرية وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون ذراعًا (يريد أن ينقض) أي يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة وإلا فالجدار لا إرادة له حقيقة. وكان أهل القرية يمرون تحته على خوف (قال الخضر بيده) أي أشار بها وفي رواية قال فمسح بيده (فأقامه) وقيل نقضه وبناه وقيل بعمود عمده به، وفيه إطلاق القول على الفعل. وفي رواية أبي ذر والمستملي يريد أن ينقض فأقامه (قال موسى) وفي رواية غير أبي ذر فقال له موسى أي للخضر (لو شئث لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد التاء وفتح الخاء على وزن افتعلت من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين، وفي رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر لتخذت أي لأخذت (عليه أجرًا) فيكون لنا قوتًا وبلغة على سفرنا، قال القاضي: كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه. (قال) الخضر لموسى عليه السلام: (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتّساع والإشارة في قوله هذا إلى الفراق الموعود بقوله: فلا تصاحبني أو تكون الإشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض سبب للفراق أو إلى الوقت أي هذا الوقت وقت الفراق. (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يرحم الله موسى) إنشاء بلفظ الخبر (لوددنا) بكسر الدال الأول وسكون الثانية أي والله لوددنا (لو صبر) أي صبره لأنه لو صبر لأبصر أعجب الأعاجيب (حتى
يقص) على صيغة المجهول (علينا من أمرهما) مفعول لم يسم فاعله، وفي هذه القصة حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه. ولو كان مستقيمًا في باطن الأمر على أنه ليس في شيء مما فعله الخضر مناقضة للشرع، فإن نقض لوح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعًا وعقلاً، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك صريحًا عند مسلم، ولفظه: فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة. وأما قتله الغلام فلعله كان تلك الشريعة. وقد حكى القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى لما قال للخضر: أقتلت نفسًا زاكية اقتلع الخضر كتف الصبي الأيسر وقشر عنه اللحم فإذا في عظم كتفه كافر لا يؤمن بالله أبدًا. وفي مسلم وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرًا لا يؤمن بالله، وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع، وفيه رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي، وفيه التحديث والإخبار بصيغة الإفراد والسؤال.
هذا (باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا) بالنصب صفة لعالمًا المنصوب على المفعولية بسأل ومن موصول والواو للحال، والمراد جواز فعل ذلك إذا أمنت النفس فيه من الإعجاب وليس هو من باب من يتمثل له الناس قيامًا.
123 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ -قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا- فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». [الحديث 123 - أطرافه في: 2810، 3126، 7458].
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة (قال: أخبرني) بالإفراد وفي رواية حدّثنا (جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (قال):
(جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله) مبتدأ وخبره وقع مقول
القول، (فإن أحدنا يقاتل غضبًا) نصب مفعول له والغضب حالة تحصل عند غليان الدم في القلب لإرادة الانتقام، (ويقاتل حمية) نصب مفعول له أيضًا وهو بفتح الحاء وكسر الميم وتشديد المثناة التحتية وهي الأنفة من الشيء أو المحافظة على الحرم. (فرفع) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليه) أي إلى السائل (رأسه) الشريف (قال) أبو موسى أو من دونه: (وما رفع إليه رأسه إلا أنه) أي السائل (كان قائمًا) أي ما رفع لأمر من الأمور إلا لقيام الرجل فإن واسمها وخبرها في تقدير المصدر وفيه جواز وقوف
المستفتي لعذر أو لحاجة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من قاتل) بمقتضى القوّة العقلية (لتكون) أي لأن تكون (كلمة الله) أي دعوته إلى الإسلام