الفصل الرابع فيما يتعلق بالبخاري في صحيحه من تقرير شرطه وتحريره وضبطه وترجيحه على غيره كصحيح مسلم ومن سار كسيره والجواب عما انتقده عليه النقاد من الأحاديث ورجال الإسناد وبيان موضوعه، وتفرده بمجموعه، وتراجمه البديعة المثال، المنيعة المنال وسبب تقطيعه

والتابعين وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم، كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع التوسّل، والبسملة مع السورة، والتكبير مع الصلوات. مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات، في صغره وفي إدراكه وفي شبابه وفي كهولته، عند فراغه وعند شغله وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار والبلدان والبراري، على الأحجار والأخزاف والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمن هو فوقه وعمّن هو مثله وعمّن هو دونه. وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره لوجه الله تعالى طلبًا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله عز وجل منها، ونشرها بين طالبيها ومحبّيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده، ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع هي من كسب العبد أعني معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو، مع أربع هي من إعطاء الله تعالى، أعني القدرة والصحة والحرص والحفظ، فإذا تمت له هذه الأشياء كلها هان عليه أربع: الأهل والمال والولد والوطن، وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء. فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله عز وجل في الدنيا بأربع: بعز القناعة وبهيبة النفس وبلذة العلم وبحياة الأبد. وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وبسقي من أراد من حوض نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،

وبمجاورة النبيين في أعلى علييّن في الجنة، فقد أعلمتك يا بني مجملاً لجميع ما سمعت من مشايخي متفرقًا في هذا الباب، فأقبل الآن إلى ما قصدت إليه أو دع. فهالني قوله فسكت متفكرًا وأطرقت متأدبًا فلما رأى ذلك مني قال: وإن لم تطق حمل هذه المشاق كلها فعليك بالفقه يمكنك تعلمه وأنت في بيتك قارّ ساكن لا تحتاج إلى بُعد الأسفار ووطء الديار وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث، وليس ثواب الفقيه دون ثواب المحدّث في الآخرة، ولا عزه بأقل من عز المحدّث. فلما سمعت ذلك نقص عزمي في طلب الحديث وأقبلت على دراسة الفقه وتعلمه إلى أن صرت فيه متقدّمًا، ووقفت منه على معرفة ما أمكنني من تعلمه بتوفيق الله تعالى ومنّته، فلذلك لم يكن عندي ما أمليه على هذا الصبيّ يا أبا إبراهيم. فقال له أبو إبراهيم إن هذا الحديث الواحد الذي لا يوجد عند غيرك خير للصبي من ألف حديث نجده عند غيرك. انتهى".

وقد قال الخطيب البغدادي الحافظ إن علم الحديث لا يعلق إلاّ بمن قصر نفسه عليه ولم يضم غيره من الفنون إليه. وقال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى أتريد أن تجمع بين الفقه والحديث، هيهات. والله سبحانه وتعالى وليّ التوفيق والعصمة وله الحمد على كل حال وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

الفصل الرابع

فيما يتعلق بالبخاري في صحيحه من تقرير شرطه وتحريره وضبطه وترجيحه على غيره كصحيح مسلم ومن سار كسيره والجواب عما انتقده عليه النقاد من الأحاديث ورجال الإسناد وبيان موضوعه، وتفرده بمجموعه، وتراجمه البديعة المثال، المنيعة المنال وسبب تقطيعه للحديث واختصاره وإعادته له في الأبواب وتكراره وعدة أحاديثه الأصول والمكرّرة حسبما ضبطه الحافظ ابن حجر وحرره

وهذا الفصل أعزّك الله تعالى لخصته من مقدّمة فتح الباري، مستمدًّا من سيح فضله الجاري، أنبأتني المسندة أُم حبيبة زينب بنت الشوبكي المكية، أخبرنا البرهان بن صديق الرسام، أخبرنا أبو النون يونس بن إبراهيم عن أبي الحسن بن المقير عن أبي المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال في جزء شروط الأئمة له: اعلم أن البخاري ومسلمًا ومن ذكرنا بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال شرطت أن أخرّج في كتابي مما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سير كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم، واعلم أن شرط البخاري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015