وأرضاهم فكنا نقرأ) أي في جملة القرآن (أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ) لفظه (بعد) من التلاوة.
وهاهنا تنبيه وهو: هل يجوز بعد نسخ تلاوة الآية أن يمسها المحدّث ويقرأها الجنب؟ قال الآمدي: تردد فيه الأصوليون والأشبه المنع من ذلك، وكلام السهيلي يقتضي خلاف ذلك فإنه قال: إن هذا المذكور ليس عليه رونق الإعجاز، إنه لم ينزل بهذا النظم ولكن بنظم معجز كنظم القرآن، فإن قيل: إنه خبر فلا ينسخ؟ قلنا: لم ينسخ منه الخبر وإنما نسخ منه الحكم فإن حكم القرآن أن يتلى في الصلاة وأن لا يمسه إلا طاهر وأن يكتب بين الدفتين وأن يكون تعلمه فرض كفاية وكل ما نسخ رفعت منه هذه الأحكام وإن بقي محفوظًا فهو منسوخ، فإن تضمن حكمًا جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولاً به اهـ.
وزاد ابن جرير من طريق عمر بن يونس عن عكرمة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس وأنزل الله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] (فدعا عليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أربعين صباحًا) في القنوت (على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة آخره لام مجرور بدل من عليهم بإعادة العامل ورعل هم بطن من بني سليم (وذكوان) بفتح المعجمة وسكون الكاف (وبني لحيان) بكسر اللام وسكون الحاء المهملة (وبني عصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد الياء التحتية (الذين عصوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسيأتي في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى أنه دعا على أحياء من بني سليم حيث قتلوا القراء. قال في الفتح: وهو أصرح في المقصود.
2802 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ قَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ". [الحديث 2802 - طرفه في: 6146].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأسود بن قيس) ولأبي ذر هو ابن قيس (عن جندب بن سفيان) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في بعض المشاهد) أي أمكنة الشهادة قيل كان في غزوة أُحُد (وقد دميت أصبعه) بفتح الدال أي جرحت أصبعه فظهر منها الدم (فقال): مخاطبًا لها لما توجعت على سبيل الاستعارة أو حقيقة على سبيل المعجزة تسلية لها:
(هل أنتِ إلا أصبع دميت) بفتح الدال وسكون التحتية وكسر الفوقية صفة للأصبع والمستثنى فيه أعم عام الصفة لم ما أنت بأصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميت فتثبتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك أو القطع إلا أنك دميت ولم يكن ذلك هدرًا (و) لكنه (في سبيل الله) ورضاه (ما لقيت).
بسكون التحتية وكسر الفوقية، ولغير أبي ذر: دميت لقيت بسكون الفوقية، وهذا مما تعلق به الملحدون في الطعن فقالوا: هذا شعر نطق به، والقرآن ينفي عنه أن يكون شاعرًا وأجيب بأنه رجز والرجز ليس بشعر على مذهب الأخفش وإنما يقال لصاحبه فلان الراجز لا الشاعر إذ الشعر لا يكون إلا بيتًا تامًّا مقفى على أحد أنواع العروض المشهورة وبأن الشعر لا بدّ فيه من قصد ذلك فما لم يكن مصدره عن نيّة له وروية فيه وإنما هو اتفاق كلام يقع موزونًا ليس منه فالمنفي صنعة الشاعرية لا غير.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في المغازي والترمذي في التفسير والنسائي في اليوم والليلة.
(باب) فضل (من يجرح في سبيل الله عز وجل) بضم التحتية وسكون الجيم.
2803 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ, وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(و) الله (الذي نفسي بيده) بقدرته أو في ملكه (لا يكلم) بضم التحتية وسكون الكاف وفتح اللام أي لا يجرح (أحد) مسلم (في سبيل الله) أي في الجهاد ويشمل من جرح في ذات الله وكل ما دافع فيه المرء بحق فأصيب فهو مجاهد كقتال البغاة وقطاع الطريق وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعند مسلم من طريق همام عن أبي هريرة: كل كلم يكلمه المسلم (-والله أعلم بمن يكلم) يجرح (في سبيله-) جملة