رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يسوق بدنة) هديًا (فقال) له عليه الصلاة والسلام:

(اركبها) (قال: يا رسول الله إنها بدنة) هدي (قال) (اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة) واحتج بذلك من أجاز الوقف على النفس لأنه أجاز له الانتفاع بما أهداه بعد خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشرط أحرى، والحديث سبق في الحج.

13 - باب إِذَا وَقَفَ شَيْئًا قبلَ أن يَدْفَعْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ

لأَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَوْقَفَ فَقَالَ: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَلَمْ يَخُصَّ إِنْ وَلِيَهُ عُمَرُ أَوْ غَيْرُهُ.

وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ: «أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ، فَقَسَمَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ".

هذا (باب) بالتنوين (إذا وقف) شخص (شيئًا فلم يدفعه) ولأبي ذر: قبل أن يدفعه (إلى غيره فهو جائز) أي صحيح، (لأن عمر -رضي الله عنه- أوقف) بهمزة قبل الواو لغة شاذة في وقف بإسقاطها أرضه التي بخيبر (وقال): ولأبي ذر فقال: (لا جناح على من وليه) أي الوقف (أن يأكل) من ريعه (ولم يخص وإن وليه عمر أو غيره) ولم يأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإخراجه من يده فكان تقريره لذلك دالاًّ على صحة الوقف وإن لم يقبضه الموقوف عليه قاله في الفتح، واشترط المالكية لصحة الوقف خروجه عن يد واقفه وأن يقبضه الموقوف عليه وبه قال محمد بن الحسن.

(قال) ولأبي ذر: وقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً من طريق إسحاق بن أبي طلحة (لأبي طلحة (أرى أن تجعلها في الأقربين) (فقال) أبو طلحة (أفعل فقسمها في أقاربه وبني عمه) واستشكل الداوديّ الاستدلال بهذا على صحة الوقف قبل القبض بأنه حمل للشيء على ضدّه وتمثيله بغير جنسه فإنه دفع صدقته إلى أُبيّ بن كعب وحسان. وأجاب ابن المنير: بأن أبا طلحة أطلق صدقة أرضه وفوّض إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مصرفها فلما قال له: أرى أن تجعلها في الأقربين ففوّض له قسمتها بينهم صار كأنه أقرّها في يده بعد أن مضت الصدقة اهـ.

وقد وقع التصريح في الحديث كما سيأتي إن شاء الله تعالى بأن أبا طلحة هو الذي تولى قسمتها. قال في الفتح: وبذلك يتم الجواب اهـ.

وقرأت في المعرفة للبيهقي في ترجمة تمام الحبس بالكلام دون القبض. قال الشافعي: ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله، ولم يزل عليّ بن أبي طالب يلي صدقته حتى لقي الله، ولم تزل فاطمة -رضي الله عنها- تلي صدقتها حتى لقيت الله أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد عليّ وفاطمة وعمر ومواليهم، ولقد حفظت الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، ولقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامّة منهم عن العامّة لا يختلفون فيه، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا.

14 - باب إِذَا قَالَ: دَارِي صَدَقَةٌ لِلَّهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُعْطِيهَا لِلأَقْرَبِينَ أَوْ حَيْثُ أَرَادَ

قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ حِينَ قَالَ أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بَيْرَحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِمَنْ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) شخص: (داري صدقة لله) عز وجل (و) الحال أنه (لم يبين) هل هي (للفقراء أو غيرهم فهو جائز) أي تتم قبل تعيين جهة مصرفها (ويضعها) بعد ذلك (في الأقربين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ويعطيها للأقربين (أو حيث أراد. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة حين قال: أحب أموالي إليّ بيرحاء)، بكسر الموحدة وفتحها وسكون الياء من غير همز وفتح الراء وضمها آخره همزة مصروف وغير مصروف ولأبي ذر بيرحا بكسر الموحدة وسكون التحتية من غير همز وضم الراء آخره ألف من غير همز وفيها وجوه أخرى سبقت (وإنها صدقة لله) ولم يعين المتصدّق عليه ولا المتصدق فيه. قال المؤلّف تفقّهًا: (فأجاز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك). الوقف من غير تعيين، (وقال بعضهم: لا يجوز) هذا الوقف المطلق (حتى يبين) واقفه (لمن) يصرف وهذا أحد قولي الشافعي، لكن قال بعض الشافعية: إن قال وقفته وأطلق فهو محل الخلاف، وإن قال وقفته لله خرج عن ملكه جزمًا واستدلّ بقصة أما طلحة (والأول) القائل بالجواز (أصح).

15 - باب إِذَا قَالَ أَرْضِي أَوْ بُسْتَانِي صَدَقَةٌ لله عَنْ أُمِّي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ ذَلِكَ

هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) شخص (أرضي أو بستاني صدقة) زاد أبو ذر: لله (عن أمّي فهو جائز وإن لم يبين لمن ذلك) الموقوف للفقراء أو غيرهم فهي كالترجمة السابقة إلا أنه عين في هذه المتصدق عنه.

2756 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَىْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا". [الحديث 2756 - طرفاه في: 2762، 2770].

وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) وسقط لغير أبي ذر ابن سلام قال: (أخبرنا مخلد بن يزيد) بفتح الميم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015