الوصية ثم الميراث وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية.

(ويذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بالدين قبل الوصية). رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن عليّ بن أبي طالب بلفظ قال: إنكم تقرؤون من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بالدين قبل الوصية الحديث. وفيه الحرث الأعور تكلم فيه، لكن قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم، وقد قال السهيلي: قدمت الوصية في الذكر لأنها تقع على سبيل البرّ والصلة بخلاف الدين لأنه يقع قهرًا فكانت الوصية أفضل فاستحقت البداءة، وقيل الوصية تؤخذ بغير عوض فهي أشق على الورثة من الدين وفيها مظنة التفريط فكانت أهم فقدمت وقد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية وأتى بأو التي للإباحة وهي كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين أي لك مجالسة كلٌّ منهما اجتمعا أو افترقا.

(وقوله) بالجر عطفًا على سابقه وزاد أبو ذر: عز وجل ({إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}) [النساء: 58] خطاب يعمّ المكلفين والأمانات وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة لما أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها فلوى عليّ يده وأخذه منه فأمر الله تعالى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يردّه عليه (فأداء الأمانة) الذي هو واجب (أحق من تطوّع الوصية، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في كتاب الزكاة (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) لفظ ظهر مقحم والمديون ليس بغني فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين قاله الكرماني. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (لا يوصي العبد إلا بإذن أهله) أي سيده (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق (العبد راع في مال سيده).

2750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ

دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ".

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير الإعطاء مرتين (ثم قال لي):

(يا حكيم إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه كالفاكهة (خضر) في المنظر (حلو) في الذوق وذكر الخبر هنا وأنّثه في الزكاة وتقدم توجيهه ثم (فمن أخذه بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس) بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه (لم يبارك له فيه) أي للآخذ في المأخوذ (وكان كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب علة من غلبة خلط سوداوي أو آفة ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا (واليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) المنفق عليها (قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا) بفتح الهمزة وتقديم الراء الساكنة على الزاي آخره همزة مضمومة أي لا آخذ من أحد (بعدك شيئًا) من ماله (حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده (ثم إن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (دعا) بحذف الضمير ولأبي ذر عن المستملي دعاه أي حكيمًا (ليعطيه فيأبى) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فأبى بلفظ الماضي (أن يقبله فقال) أي عمر (يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى) بلفظ المضارع ولأبي ذر: فأبى (أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي رحمه الله) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز ولم يظهر لي وجه المطابقة، وما ذكروه لا يخلو من تعسف كبير، فالله أعلم.

وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015