الشرطية وجزاء الشرط قوله (خير) على تقدير فهو خير وحذف الفاء من الجزاء سائغ غير مختص بالضرورة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث اللقطة: "فإن جاء صاحبها وإلاّ استمتع بها" بحذف الفاء في ذلك وأشباهه ومن خص هذا الحذف بضرورة الشعر فقد حاد عن التحقيق وضيق حيث لا تضييق كما قاله ابن مالك وردّ بأنه يبقى الشرط بلا جزاء.
وأجيب: بأنه إذا صحت الرواية فلا التفات إلى من لم يجوّز حذف الفاء من الجملة الاسمية بل هو دليل عليه. قال ابن مالك: الأصل إن تركت ورثتك أغنياء فهو خبر فحذف الفاء والمبتدأ ونظيره قوله: فإن جاء صاحبها وإلاّ استمتع بها، وذلك مما زعم النحويون أنه مخصوص بالضرورة وليس مخصوصًا بها بل يكثر استعماله في الشعر ويقل في غيره، ومن خصّ هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق وضيق حيث لا تضييق.
(من أن تدعهم عالة) بتخفيف اللام فقراء (يتكففون الناس) يسألونهم بأكفّهم بأن يبسطوها للسؤال أو يسألون ما يكف عنهم الجوع (في أيديهم) أي بأيديهم أو يسألون بأكفهم وضع المسؤول في أيديهم (وإنك مهما) عطف على إنك أن تدع أي وإنك إن عشت فمهما (أنفقت من نفقة) ابتغاء وجه الله (فإنها صدقة) فالأجر حاصل لك حيًّا وميتًا وأجر الواجب يزداد بالنية فافهم (حتى اللقمة) بالجر على أن حتى جارّة وبالرفع لأبي ذر على كونها ابتدائية والخبر (ترفعها) وبالنصب. قال في فتح الباري عطفًا على نفقة والظاهر أنه سقط من نسخته حرف الجر أو مراده العطف على الموضع ولغير أبي ذر حتى اللقمة التي ترفعها (إلى في امرأتك) فمها (وعسى الله أن يرفعك) أي يطيل عمرك وقد حقّق الله ذلك فاتفقوا على أنه عاش بعد ذلك قريبًا من خمسين سنة (فينتفع بك ناس) من المسلمين بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك (ويضر) مبني للمفعول (بك آخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك (ولم يكن له) لابن أبي وقاص (يومئذٍ) وارث من أرباب القروض أو من الأولاد (إلا ابنة) واحدة قيل اسمها عائشة. وقال في الفتح: الظاهر أنها أم الحكم الكبرى، وقال في مقدمته: ووهم من قال هي عائشة أصغر أولاده وعاشت إلى أن أدركها مالك بن أنس وقد كان لابن أبي وقاص عدة أولاد منهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعبد الله وعبد الرحمن وعمران
وصالح وعثمان ومن البنات ثنتا عشرة بنتًا وهذا الحديث مضى في باب رثاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعد بن خولة من كتاب الجنائز ويأتي إن شاء الله تعالى في الهجرة وغيرها.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَصِيَّةٌ إِلاَّ الثُّلُثُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49].
(وقال الحسن) البصري (لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث) فلو أوصى بأكثر لا تنفذ وصيته بالزائد. (وقال الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({وأن احكم بينهم}) أي بين اليهود ({بما أنزل الله}) [المائدة: 49] بالقرآن أو بالوحي فإذا تحاكم ورثة الذمي إلينا لا ننفذ من وصيته إلا الثلث لأنّا لا نحكم فيهم إلا بحكم الإسلام لهذه الآية قاله ابن المنير.
2743 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لو غضّ الناس) بغين فضاد مشددة معجمتين أي لو نقصوا من الثلث (إلى الربع) في الوصية كان أولى وفي رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان كان أحب إليّ وعند الإسماعيلي كان أحب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الثلث والثلث كثير) بالمثلثة (أو كبير) بالموحدة بالشك وهل يستحب النقص عن الثلث لهذا الحديث؟ قال النووي: إن كان الورثة أغنياء فلا وإن كانوا فقراء استحب، وقال ابن الصباغ: في هذه الحالة يوصي بالربع فما دونه. وقال القاضي أبو الطيب: إن كان ورثته لا يفضل ماله عن غناهم فالأفضل أن لا يوصي وأطلق الرافعي النقص عن الثلث لخبر سعد ولقول عليّ: لأن أوصي بالخمس أحب إليّ من أن أوصي بالربع وبالربع أحب إليّ من الثلث، والتفصيل الأوّل هو الذي جزم به