بما نسيت}) أي بالذي نسيته أو بنسياني أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها قاله البيضاوي. وقال السمرقندي، قال ابن عباس: هذا من معاريض الكلام لأن موسى لم ينس، ولكن قال: لا تؤاخذني بما نسيت إذا كان مني نسيان فلا تؤاخذني به ({ولا ترهقني من أمري عسرًا}) لا تكلفني من أمري شدة وأشار إلى الوسطى التي كانت بالشرط بقوله: ({لقيا غلامًا فقتله}) إلى الثالثة بقوله (فانطلقنا {فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أي تدانى إلى أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارقة ({فأقامه}) بعمارته أو بعمود عمد به وقيل مسحه بيده فقام (قرأها ابن عباس) أي وراءهم من قوله تعالى: ({أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم} (أمامهم ملك).
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله والوسطى شرطًا لأن المراد به قوله إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني والتزم موسى بذلك ولم يكتبا ذلك ولم يشهدا أحدًا وفيه دلالة على العمل بمقتضى ما دلّ عليه الشرط فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط هذا فراق بيني وبينك ولم ينكر عليه موسى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في مواضع كثيرة تزيد على العشرة مطوّلاً ومختصرًا.
(باب الشروط في الولاء).
2729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقَالَتْ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ- فَقَالَتْ: إِنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- , فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن أبي أويس الأصبحي ابن أُخت إمام الأئمة مالك بن أنس قال: (حدّثنا مالك) هو خالد الإمام الأعظم (عن هشام بن عروة) وسقط لأبي ذر بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: جاءتني بريرة فقالت:
كاتبت أهلي) موالي (على تسع أواق) بالتنوين من غير ياء (في كل عام أوقية فأعينيني) وفي كتاب المكاتبة مما ذكره معلقًا، ووصله الذهلي في الزهريات عن الليث عن يونس عن ابن شهاب قال عروة قالت عائشة: إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين، لكن المشهور ما في رواية هشام بن عروة تسع أواق، وجزم الإسماعيلي بأن الرواية المعلقة غلط لكن جمع بينهما بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام ويشهد له أن في رواية عمرة عن عائشة في أبواب المساجد فقال: أهلها إن شئت أعطيت ما يبقى (فقالت) عائشة لبريرة (إن أحبوا) أهلك (أن أعدّها لهم) أي الأواقي التسع وهو يشكل على الجمع الذي ذكرته فليتأمل (ويكون) نصب عطفًا على المنصوب السابق (ولاؤك لي) بعد أن أعتقك وجواب الشرط (فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم) ما قالته عائشة (فأبوا عليها) أي فامتنعوا أن يكون الولاء لعائشة (فجاءت من عندهم) إلى عائشة (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس) عندها (فقالت: إني قد عرضت ذلك) بكسر الكاف (عليهم) تعني أهلها (فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرت عائشة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(خذيها) اشتريها فأعتقيها (واشترطي لهم الولاء) أي عليهم فاللام بمعنى على كذا رويناه عن حرملة عن الشافعي، لكن ضعفه النووي بأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط فلو كانت بمعنى على لم ينكره. قال وأقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل أو المراد التوبيخ لهم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بيّن لهم أن الشرط لا يصح فلما لجّوا في اشتراطه قال ذلك أي لا تبالي به سواء شرطيته أم لا. والحكمة في إذنه ثم إبطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم وزجرهم عن مثله، وقد أشار الشافعي في الأم إلى تضعيف رواية هشام المصرّحة بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه، لكن قال الطحاوي: حدّثني المزني به عن الشافعي بلفظ: وأشرطي لهم الولاء بهمزة قطع بغير مثناة فوقية ثم وجهها بأن المعنى أظهري لهم حكم الولاء ولا يلزم أن يكون ما نقله الطحاوي عن المزني مذكورًا في الأم (فإنما الولاء لمن أعتق) (ففعلت عائشة)