إنكاره على من عصاه وسخطه عليه ومعاقبته له قاله في النهاية. والحاصل: أن الصفات التي لا يليق وصفه تعالى بها على الحقيقة تؤوّل بما يليق به تعالى فتحمل على آثارها ولوازمها كحمل الغضب على العذاب، والرحمة على الإحسان فيكون ذلك من صفات الأفعال أو يحمل عن أن المراد بالغضب مثلاً إرادة الانتقام وبالرحمة إرادة الإنعام والإفضال فيكون من صفات الذات.
(قال) أي ابن مسعود (فقال الأشعث بن قيس) الكندي (فيّ والله كان ذلك. كان بيني) ولأبوي الوقت وذر عن الحموي والكشميهني: كان ذلك بيني (وبين رجل من اليهود) اسمه الجفشيش بجيم مفتوحة ففاء ساكنة فشينين معجمتين بينهما تحتية ساكنة وسقط لأبي ذر: من اليهود (أرض) زاد مسلم باليمين (فجحد لي فقدمته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ألك بينة) تشهد لك باستحقاقك ما ادّعيته (قال) الأشعث: (قلت لا) بيّنة لي (قال فقال) عليه الصلاة والسلام (لليهودي) (احلف) ولأبي ذر عن المستملي قال احلف (قال) الأشعث (قلت يا رسول الله إذًا يحلف) بالنصب بإذا (ويذهب بمالي) بنصب يذهب عطفًا على سابقه وفي الفرع كأصله يحلف ويذهب برفعهما أيضًا على لغة من لا ينصب بإذا ولو وجدت شرائط عملها التي هي التصدّر والاستقبال وعدم الفصل كما حكاه سيبويه. (قال فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنًا قليلاًْ}) [آل عمران: 77] (إلى آخر الأية) من سورة آل عمران.
فإن قلت: كيف يطابق نزول هذه الآية قوله إذًا يحلف ويذهب بمالي؟ أجيب: باحتمال كأنه قيل للأشعث ليس لك عليه إلا الحلف فإن كذب فعليه وباله وفيه دليل على أن الكافر يحلف في الخصومات كما يحلف المسلم.
وهذا الحديث سبق في الخصومات.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ كَلَّمَنِي أَبُو الزِّنَادِ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَقُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]. قُلْتُ: إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَمَا تَحْتَاجُ أَنْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ هَذِهِ الأُخْرَى؟.
هذا (باب) بالتنوين (اليمين على المدّعي عليه) دون المدّعي (في الأموال والحدود). وقال الكوفيون: تختص اليمين بالمدّعى عليه في الأموال دون الحدود. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله قريبًا
(شاهداك أو يمينه) برفع شاهداك خبر مبتدأ محذوف أي المثبت لدعواك أو الحجة لك شاهداك أو مبتدأ خبره محذوف أي شاهداك هما المطلوبان في دعواك أو شاهداك هما المثبتان لدعواك ويمينه عطف عليه.
(قال قتيبة) أي ابن سعيد، وفي بعض النسخ كما نقل عن الشيخ قطب الدين الحلبي حدّثنا قتيبة قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي قاضي الكوفة المتوفى سنة أربع وأربعين ومائة أنه قال: (كلمني أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان قاضي المدينة (في) القول بجواز (شهادة الشاهد ويمين المدّعي) وكان مذهب أبي الزناد القضاء بذلك كأهل بلده لأنه عليه الصلاة والسلام قضى بشاهد ويمين. رواه مسلم من حديث ابن عباس، وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة، والترمذي وابن ماجه وصحّحه ابن خزيمة وأبو عوانة من حديث جابر ومذهب ابن شبرمة خلافه كأهل بلده فلا يعمل بالشاهد واليمين وهو مذهب الحنفية. قال ابن شبرمة: (فقلت) أي لأبي الزناد محتجًّا عليه (قال الله تعالى: {واستشهدوا}) على حقكم ({شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}) العدول ({إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}) [البقرة: 282] الشهادة. قال ابن شبرمة (قلت: إذا كان يكتفى) بضم أوله وفتح الفاء (بشهادة شاهد ويمين المدّعي) وجواب الشرط (فما يحتاح أن تذكر إحداهما الأخرى) وما نافية في قوله: فما يحتاج واستفهامية في قوله (ما كان يصنع بذكر) بموحدة ومعجمة مكسورتين وسكون الكاف وفي نسخة تذكر بفوقية ومعجمة مفتوحتين وضم الكاف مشددة (هذه الأخرى) وفي نسخة تذكر بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الكاف والمعنى إذا جاز أن يكتفى بالشاهد واليمين فلا احتياج إلى تذكير إحداهما الأخرى