بهذا) بالمضارع المفتوح الأول، ولأبي ذر: تحدّث الناس بالماضي، وفي رواية هشام بن عروة عند البخاري فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعت.
(قالت) أي عائشة (فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع) بالقاف والهمزة أي لا ينقطع (ولا أكتحل بنوم) لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع.
وفي المغازي عن مسروق عن أم رومان قالت عائشة: سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: نعم.
قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم فخرّت مغشيًا عليها فما أفاقت إلاّ وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطتها.
(ثم أصبحت فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب) رضي الله تعالى عنه (وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي) حال كونه (يستشيرها) لعلمه بأهليتهما للمشورة (في فراق أهله) لم تقل في فراقي لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها والوحي بالرفع في الفرع أي طال لبث نزوله. وقال ابن العراقي: ضبطناه بالنصب على أنه مفعول لقوله استلبث أي استبطأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي، وكلام النووي يدل على الرفع (فأما أسامة فأشار عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالذي يعلم في نفسه من الودّ لهم فقال أسامة): هم (أهلك) العفائف اللائقات بك وعبر بالجمع إشارة إلى تعميم أمهات المؤمنين بالوصف المذكور أو أراد تعظيم عائشة وليس المراد أنه تبرأ من الإشارة، ووكل الأمر في ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما أشار وبرّأها. وجوّز بعضهم النصب أي أمسك أهلك لكن الأولى الرفع لرواية معمر حيث قال: هم أهلك (يا رسول الله ولا نعلم والله إلاّ خيرًا) إنما حلف ليقوي عنده عليه الصلاة والسلام براءتها ولا يشك وسقط لفظ والله لأبي ذر (وأما علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (فقال: بل رسول الله لم يضيق الله عليك) وللحموي والمستملي: لم يضيق عليك بحذف الفاعل للعلم به وبناء الفعل للمفعول (والنساء سواها كثير) بصيغة التذكير للكل على إرادة الجنس، وللواقدي قد أحلّ الله لك وأطاب طلّقها وانكح غيرها، وإنما قال لما رأى عنده عليه الصلاة والسلام من القلق والغمّ لأجل ذلك، وكان شديد الغيرة صلوات الله وسلامه عليه فرأى عليّ أن بفراقها يسكن ما عنده بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيراجعها فبذل النصيحة لإراحته لا عداوة لعائشة. وقال في بهجة النفوس مما قرأته فيها لم يجزم عليّ بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله (وسل الجارية) بريرة (تصدقك) بالجزم على الجزاء ففوّض في الأمر في ذلك إلى نظره عليه الصلاة والسلام فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع على براءتها لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة. (فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة).
قال الزركشي: قيل إن هذا وهم فإن بريرة إنما اشترتها عائشة وأعتقتها قبل ذلك ثم قال: والمخلص من هذا الإشكال أن تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة ظنًّا منه أنها هي. قال في المصابيح: وهذا أي الذي قاله الزركشي ضيق عطن فإنه لم يرفع الإشكال إلا بنسبة الوهم إلى الراوي قال: والمخلص عندي من الإشكال الرافع لتوهيم الرواة وغيرهم أن يكون إطلاق
الجارية على بريرة وإن كانت معتقة إطلاقًا مجازيًّا باعتبار ما كانت عليه فاندفع الإشكال ولله الحمد انتهى.
وهذا الذي قاله: في المصابيح بناء على سبقية عتق بريرة وفيه نظر لأن قصتها إنما كانت بعد فتح مكة لأنها لما خيرت فاختارت نفسها كان زوجها يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة"؟ ففيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف