لم أعرف اسمه (يستأذن في بيت حفصة) بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين والجملة في موضع جر صفة لرجل (قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقلت يا رسول الله أراه) بضم الهمزة أي أظنه (فلانًا لعم حفصة) أم المؤمنين (من الرضاعة فقالت عائشة: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك) الذي فيه حفصة (قالت) عائشة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أراه) بضم الهمزة أظنه (فلانًا لعم) أي عم (حفصة من الرضاعة) لم يسم عم حفصة هذا وسقط قوله قالت عائشة فقلت يا رسول الله أراه إلخ في الأصل المقروء على الميدومي، وثبت في عدة من الفروع المقابلة بأصل اليونينية وكذا رأيته فيها وسقوطه أولى كما لا يخفى (فقالت عائشة) له عليه الصلاة والسلام (لو كان فلان حيًّا لعمها) اللام بمعنى عن أبي عن عمها (من الرضاعة دخل عليّ) بتشديد الياء أي هل كان يجوز أن يدخل عليّ؟ قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم عم حفصة ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة، وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة وقد عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تأذن له بعد أن امتنعت فالمذكور هنا عم آخر أخو أبيها أبي بكر من الرضاع أرضعتهما امرأة واحدة، وقيل هما واحد. وغلطه النووي بأن عمها في حديث أبي القعيس كان حيًّا والآخر كان ميتًا وإنما ذكرت عائشة ذلك في العم الثاني لأنها جوّزت تبدل الحكم فسألت مرة أخرى.
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في جوابها (نعم) أي يجوز دخوله عليك ثم علّل جواز ذلك بقوله (إن الرضاعة تحرم) بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني يحرم منها بفتح المثناة التحتية وضم الراء مخفّفًا (ما يحرم) بفتح أوله مخفّفًا (من الولادة) أي مثل ما يحرم من الولادة فهو على حذف مضاف وتعبيره بقوله ما يحرم من الولادة وفي الرواية الأخرى من النسب. قال القرطبي: دليل على جواز الرواية بالمعنى أو قال عليه الصلاة والسلام اللفظين في وقتين وقطع بالأخير في الفتح معلّلاً بأن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي.
وهذا الحديث أخرجه في الخمس أيضًا والنكاح ومسلم والنسائي في النكاح.
2647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ قَالَ: يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ". تَابَعَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ. [الحديث 2647 - طرفه في: 5102].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري وثقه أحمد، وروى له المؤلّف ثلاثة أحاديث في العلم والبيوع والتفسير توبع عليها قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أشعث بن أبي الشعثاء) بالشين المعجمة والمثلثة والعين المهملة فيهما والأخير ممدود (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود (عن مسروق) هو ابن الأجدع (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندي رجل) الواو للحال وأخو عائشة هذا لا أعرف اسمه، وقول الجلال البلقيني فيما نقله عنه في المصابيح أنه وجد بخط مغلطاي على حاشية أسد الغابة ما يدل على أنه عبد الله بن يزيد تعقبه في مقدمة فتح الباري بأنه غلط لأنه تابعي انتهى.
يعني وهذا صحابي لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه بلا ريب عند عائشة، نعم عبد الله التابعي هذا المذكور أخوها من الرضاعة كما صرّح به في رواية مسلم في الجنائز وكثير بن عبد الله الكوفي أخوها أيضًا كما عند المؤلّف في الأدب المفرد وسنن أبي داود وسبق التنبيه على ذلك في باب الغسل بالصاع.
(قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: فقال (يا عائشة من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة. قال: يا عائشة انظرن) بهمزة وصل وضم الظاء المعجمة من النظر بمعنى التفكّر والتأمّل (من إخوانكن) استفهام (فإنما الرضاعة) الفاء تعليلية لقوله انظرن من إخوانكن أي ليس كل من أرضع لبن أمهاتكنّ يصير أخاكن بل شرطه أن يكون (من المجاعة) بفتح الميم من الجوع أي أن الرضاعة المعتبرة في المحرمية شرعًا ما كان فيه تقوية للبدن واستقلال بسد الجوع، وذلك إنما يكون في حال الطفولية قبل الحولين كما سيأتي إن شاء الله تعالى تقريره في بابه بعون الله وقوّته.