بعد انقضاء العدّة (عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا القرظي (إنما) أي إن الذي (معه مثل هدبة الثوب) بضم الهاء وسكون الدال المهملة طرفه الذي لم ينسج شبهوه بهدب العين وهو شعر جفنها ومرادها ذكره وشبهته بذلك لصغره أو استرخائه وعدم انتشاره. قال في العدة: والثاني أظهر، وجزم به ابن الجوزي لأنه يبعد أن يبلغ في الصغر إلى حدّ لا تغيب منه الحشفة التي يحصل بها التحلل (فقال) عليه الصلاة والسلام:

(أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) سبب هذا الاستفهام قول زوجها عبد الرحمن بن الزبير كما في مسلم أنها ناشز تريد رفاعة. قال الكرماني: وفي بعضها ترجعين بالنون على لغة من يرفع الفعل بعد أن حملاً على ما أختها (لا) رجوع لك إلى رفاعة (حتى تذوقي عسيلته) أي عسيلة عبد الرحمن (ويذوق) هو أيضًا (عسيلتك) بضم العين وفتح السين المهملتين مصغرًا فيهما كناية عن الجماع فشبّه لذته بلذة العسل وحلاوته واستعار لها ذوقًا. وقد روى عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة مرفوعًا إن العسيلة هي الجماع. رواه الدارقطني فهو مجاز عن اللذة وقيل العسيلة ماء الرجل والنطفة تسمى العسيلة، وحينئذٍ فلا مجاز لكن ضعف بأن الإنزال لا يشترط، وإن قال به الحسن البصري، وأنّث العسيلة لأنه شبّهها بالقطعة من العسل أو أن العسل في الأصل يذكّر ويؤنّث، وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحلّ قال: النووي واتفقوا على أن تغيب الحشفة في قبلها كافٍ من غير إنزال وقال ابن المنذر: في الحديث دلالة على أن الزوج الثاني إن واقعها وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحسّ باللذة أنها لا تحلّ للأوّل لأن الذوق أن تحسّ باللذة وعامّة أهل العلم أنها تحلّ.

(وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه (جالس عنده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وخالد بن سعيد بن العاص) الأموي (بالباب) الشريف النبوي (ينتظر أن يؤذن له فقال) أي خالد وهو بالباب: (يا أبا بكر ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من قولها: إنما معه مثل الهدبة وكأنه استعظم تلفظها بذلك بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وهذا موضع الترجمة لأن خالد بن سعيد أنكر على امرأة رفاعة ما كانت تتكلم به عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع كونه محجوبًا عنها خارج الباب، ولم ينكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فاعتماد خالد على سماع صوتها حتى أنكر عليها هو حاصل ما يقع من شهادة السمع ولا معنى للإشهاد إلا الإسماع، فإذا أسمعه فقد أشهده قصد ذلك أم لا؟ وقد قال الله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة} [البقرة: 283] ولم يقل الإشهاد والسماع شهادة ولكن إذا صرّح المقرّ بالإشهاد فالأحسن أن يكتب الشاهد أشهدني بذلك فشهدت عليه حتى يخلص من الخلاف.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه في النكاح والنسائي فيه وفي الطلاق.

4 - باب إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَوْ شُهُودٌ بِشَىْءٍ وَقَالَ آخَرُونَ مَا عَلِمْنَا بذَلِكَ يُحْكَمُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ

قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا كَمَا أَخْبَرَ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ الْفَضْلُ: لَمْ يُصَلِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ بِلاَلٍ. كَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، يُقْضَى بِالزِّيَادِةَ.

هذا (باب) بالتنوين (إذا شهد شاهد) بقضية (أو) شهد (شهود بشيء فقال) بالفاء ولأبي ذر قال: جماعة (آخرون ما علمنا ذلك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بذلك (يحكم بقول من شهد) لأنه مثبت فيقدم على النافي (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي فيما وصله في الحج (هذا) أي الحكم (كما أخبر بلال) المؤذن (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في) جوف (الكعبة) عام الفتح، (وقال الفضل) بن العباس (لم يصلّ) عليه الصلاة والسلام فيها (فأخذ الناس بشهادة بلال) فرجحوها على رواية الفضل لأن فيها زيادة علم وإطلاق الشهادة على إخبار بلال تجوّز.

وقال الكرماني فإن قلت: ليس هذا من باب ما علمنا بل هما متنافيان لأن أحدهما قال: صلّى، والآخر قال: لم يصلّ؟ وأجاب: بأن قوله لم يصلِّ معناه أنه ما علم أنه صلّى قال ولعلّ الفضل كان مشتغلاً بالدعاء ونحوه فلم يره صلّى فنفاه عملاً بظنه.

(كذلك) الحكم (إن شهد شاهدان أن لفلان على فلان ألف درهم وشهد آخران بألف وخمسمائة) مثلاً (يقضي بالزيادة) لأن عدم علم الغير لا يعارض علم من علمه، ولأبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015