لمن أعتق) ولأبي ذر: فإن الولاء. واستشكل قوله واشترطي لهم الولاء لأنه يفسد البيع ومتضمن للخداع والتغرير، وكيف أذن لأهله بما لا يصح ومن ثم أنكر يحيى بن أكثم فيما رواه الخطابي عنه ذلك، وعن الشافعي في الأم الإشارة إلى تضعيف رواية هشام المصرّحة بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه.
وقال في المعرفة فيما قرأته فيها حديث يحيى عن عمرة عن عائشة أثبت من حديث هشام، وأحسبه غلط في قوله واشترطي لهم الولاء، وأحسب حديث عمرة أن عائشة شرطت لهم الولاء بغير أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي ترى ذلك يجوز فأعلمها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها إن أعتقتها فالولاء لها. وقال: لا يمنعك عنها ما تقدم من شرطك ولا أرى أنه أمرها أن تشترط لهم ما لا يجوز ثم قال بعد سياقه لحديث نافع عن ابن عمر السابق في الباب الذي قبل هذا ولعل هشامًا أو عروة حين سمع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يمنعك ذلك" رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر انتهى.
وقد أثبت رواية هشام جماعة وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لردّه، واختلفوا في تأويلها فقيل لهم بمعنى عليهم كقوله تعالى: {لهم اللَّعنة} [الرعد: 25] أي عليهم، وهذا رواه البيهقي في المعرفة من طريق أبي حاتم الرازي عن حرملة عن الشافعي، وقال النووي تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط، ولو كانت بمعنى على لم ينكره، وقيل الأمر هنا للإباحة وهو على جهة التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء فكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم، وقال النووي: أقوى الأجوبة
أن هذا الحكم خاص بعائشة، في هذه القضية، وتعقبه ابن دقيق العيد: بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل وبأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الشروط.
(قالت عائشة: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس) خطيبًا (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فما) بالفاء في اليونينية (بال) أي ما حال (رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله فأيما شرط ليس) ولأبي ذر كان ليس (في كتاب الله) أي في حكمه من كتاب أو سُنّة أو إجماع (فهو باطل وإن كان مائة شرط) قال القرطبي: خرج مخرج التكثير يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت (فقضاء الله أحق) أي بالاتباع من الشروط المخالفة له (وشرط الله أوثق) باتباع حدوده التي حدّها وليست المفاعلة هنا على حقيقتها إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (ما) بغير فاء في اليونينية (بال رجال منكم يقول أحدهم أعتق يا فلان ولي الولاء إنما الولاء لمن أعتق) ويستفاد من التعبير بإنما إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه فلا ولاء لمن أسلم على يديه رجل، وفيه جواز سعي المكاتب وسؤاله واكتسابه وتمكين السيد له من ذلك، لكن محل الجواز إذا عرفت جهة حل كسبه وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط في ذلك عجزه خلافًا لمن شرطه وأنه لا بأس بتعجيل مال الكتابة إلى غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَىْءٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَىْءٌ.
(باب) جواز (بيع المكاتب إذا رضي) وللحمُوي والمستملي: بيع المكاتبة قال في الفتح: والأوّل أصح لقوله إذا رضي، (وقالت عائشة) رضي الله عنها مما وصله ابن أبي شيبة وابن سعد (هو) أي المكاتب (عبد ما بقي عليه شيء) من مال الكتابة، (وقال زيد بن ثابت) مما وصله الشافعي وسعيد بن منصور (ما بقي عليه درهم، وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (هو عبد إن عاش وإن مات وإن جنى ما بقي عليه شيء).
2564 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَهْلِهَا فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا. قَالَ مَالِكٌ قَالَ يَحْيَى: فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد (?) عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية المدنية (أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- فقالت لها إن أحب أهلك أن أصبّ لهم ثمنك صبة واحدة فأعتقك) بضم الهمزة والنصب عطفًا على أن أصبّ بالفاء، ولأبي ذر: