الترجمة عند أبي ذر والنسفيّ وهو الأولى لما لا يخفى.
وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]. وَقَالَ رَوْحٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَىَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا. وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟
قَالَ: لاَ. ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ -وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ- فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، فَكَاتَبَهُ".
(باب المكاتب) بفتح التاء (ونجومه) بالجر عطفًا على سابقه وبالرفع على الاستئناف (في كل سنة نجم) رفع بالابتداء وخبره الجار والمجرور والجملة في موضع رفع على الخبرية وسقط للنسفي قوله نجم فالجار والمجرور في موضع نصب على الحال من قوله ونجومه ونجم الكتاب هو القدر المعين الذي يؤدّيه المكاتب في وقت معين، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم لأنهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم: إذا طلع النجم الفلاني أدّيت حقك فسميت الأوقات نجومًا بذلك ثم سمي المؤدى في الوقت نجمًا، (وقوله) تعالى بالجر عطفًا على السابق ({والذين يبتغون الكتاب}) المكاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على ألف مثلاً منجمًا إذا أدّيته فأنت حر ويبين عدد النجوم وقسط كل نجم وهو إما أن يكون من الكتاب لأن السيد كتب على نفسه عتقه إذا وفى بالمال أو لأنه مما يكتب لتأجيله أو من الكتب بمعنى الجمع لأن العوض فيه يكون منجمًا بنجوم يضم بعضها إلى بعض ({مما ملكلت أيمانكم}) عبدًا أو أمة والموصول بصلته مبتدأ خبره ({فكاتبوهم}) أو مفعول بمضمر هذا تفسيره والفاء لتضمن معنى الشرط واشترط الشافعي التأجيل وقومًا مع التسمية بناء على أن الكتابة من الضم وأقل ما يحصل به الضم نجمان، ولأنه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء وجوّز الحنفية والمالكية الكتابة حالاً ومؤجلاً ومنجمًا وغير منجم لأن الله تعالى لم يذكر التنجيم.
وأجيب: بأن هذا احتجاج ضعيف لأن المطلق لا يعم مع أن العجز عن الأداء في الحال يمنع صحتها كما في السلم فيما لا يوجد عند المحل ({إن علمتم فيهم خيرًا}) أمانة وقدرة على أداء المال بالاحترام كما فسّره بهما إمامنا الشافعي -رحمه الله- وفسّره ابن عباس بالقدرة على الكسب والشافعي ضم إليها الأمانة لأنه قد يضيع ما يكسبه فلا يعتق، وفي المراسيل لأبي داود عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} قال: إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلاًّ على الناس، وقيل المراد الصلاح في الدين، وقيل المال وهما ضعيفان ولو فقد الشرطان لم تستحب لكن لا تكره لأن الخير شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز. وقال ابن القطان: يكره والصحيح الأول ({وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}) [النور: 33] أمر للموالي أن يبذلوا لهم شيئًا من أموالهم وفي معناه حط شيء من مال الكتابة وهو للوجوب عند الأكثر ويكفي أقل ما يتموّل، وذكر ابن السكن الماوردي من طريق ابن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح عن أبيه وكان جدّ ابن إسحاق أبا أمه قال: كنت مملوكًا لحاطب فسألته الكتابة فأبى ففيّ أنزلت {والذين يبتغون الكتاب} الآية. قال ابن السكن: لم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث وصبيح ضبطه في فتح الباري بفتح الصاد المهملة ولم يضبطه في الإصابة، لكنه ذكره عقب صبيح بالتصغير والد أبي الضحى
مسلم بن صبيح والأمر في قوله فكاتبوهم للندب وبه قطع جماهير العلماء لأن الكتابة معارضة تتضمن الإرفاق فلا تجب كغيرها إذا طلبها الملوك وإلاّ لبطل أثر الملك واحتكم المماليك على المالكين.
(وقال روح): بمهملتين أولاهما مفتوحة بينهما واو ساكنة ابن عبادة مما وصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن وعبد الرزاق والشافعي من وجهين آخرين (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي قال: (قلت لعطاء) هو ابن أبي رباح (أواجب عليّ) إذا طلب مني مملوكي الكتابة (إذا علمت له مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه) بضم الهمزة ولأبي ذر ما أراه بفتحها (إلا واجبًا. وقال عمرو بن دينار) بفتح العين (قلت لعطاء تأثره) ولأبي ذر: أتأثره بهمزة الاستفهام أي أترويه (عن أحد قال) عطاء (لا) أرويه عن أحد وظاهر هذا أنه من رواية عمرو بن دينار عن عطاء قال الحافظ ابن حجر: وليس كذلك بل وقع في هذه الرواية تحريف لزم منه الخطأ، والصواب ما رأيته في الأصل المعتمد من رواية النسفيّ عن البخاري بلفظ وقاله أي الوجوب عمرو بن دينار وفاعل