متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة الموالي قاله الكرماني، وعورض بأن طاعة المولى المأمور بها هي من طاعة الله تعالى. قال ابن عبد البرّ: وفي الحديث أن العبد المؤدي لحق الله وحق سيده أفضل من الحر ويعضده ما روي عن المسيح عليه الصلاة والسلام أنه قال: مرّ الدنيا حلو الآخرة وحلو الدنيا مرّ الآخرة وللعبودية مضاضة ومرارة لا تضيع عند الله تعالى.

2548 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ».

وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (سمعت سعيد بن المسيب يقول قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(للعبد المملوك الصالح) في عبادة ربه الناصح لسيده (أجران).

فإن قلت: يلزم أن يكون أجر المملوك أضعف من السيد. أجيب: بأنه لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفًا من هذه الجهة، وقد يكون لسيده جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد.

قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي) اسمها أميمة بالتصغير بنت صبيح أو صفيح بالموحدة أو الفاء ابن الحرث وهي صحابية ثبت ذكر إسلامها في صحيح مسلم وبيان اسمها في الذيل لأبي موسى وجزء إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، والمعنى لولا القيام بمصلحة أمي في النفقة والمؤن والخدمة ونحو ذلك مما لا يمكن فعله من الرقيق (لأحببت

أن أموت وأنا مملوك) وإنما استثنى أبو هريرة ذلك لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد، وكذا برّ الأم قد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية، وهذه الجملة من قوله: والذي نفسي بيده الخ ... ليست مرفوعة بل هي مدرجة من قول أبي هريرة -رضي الله عنه- كما جزم به غير واحد من أئمة المحدثين، ويشهد له من حيث المعنى قوله وبرّ أمي فإنه لم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ أم يبرّها، وأما توجيه الكرماني بأنه عليه الصلاة والسلام أراد به تعليم أمته أو أورده على سبيل فرض حياتها أو المراد أمه حليمة السعدية التي أرضعته فمردود بما ورد من التنصيص على الإدراج فعند الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن المبارك والذي نفس أبي هريرة بيده الخ، وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي والبخاري في الأدب المفرد من طريق سليمان بن بلال وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر.

2549 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَ مَا لأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ».

وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(نعم ما) بكسر النون وسكون العين وتخفيف الميم كذا في الفرع وغيره. وقال في الفتح: بفتح النون وكسر العين وإدغام الميم في الأخرى.

قلت: وبها قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف والأعمش في قوله تعالى: {نعما يعظكم به} [النساء: 58] في سورة البقرة في الأصل، لأن الأصل نعم كعلم ويجوز كسر النون إتباعًا لكسرة العين مع تشديد الميم وهي لغة هذيل وكسر النون مع إسكان العين وهي قراءة قالون وأبي عمور وأبي بكر وأبي جعفر واليزيدي والحسن، واختاره أبو عبيد وحكاه لغة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله "نعما المال الصالح" وتصحيح الحاكم في المستدرك فتح النون وكسر العين رواية أخرى فلا يمنع، لكن بعضهم يجعل الإسكان من وهم الرواة عن أبي عمرو وممن أنكره المبرد والزجّاج والفارسي لأن فيه جمعًا بين ساكنين على غير حدّهما قال المبرّد: لا يقدر أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين فيحرك ولا يشعر، وقال الفارسي: لعل أبا عمرو أخفى عينه فظنه الراوي سكونًا.

وأجيب: بأن الأصل في جامع شروط الرواية الضبط واغتفر التقاء الساكنين وإن كان الأول غير مدّ لعروضه كالوقف وتجويز هذه الأوجه حكاه النووي في شرح مسلم عند قوله "نعما للملوك" المضبوط في الرواية فيه بكسر النون والعين وتشديد الميم، أما في رواية البخاري فالذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015