كاذب وفي الأحكام ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض أي ألسن وأفصح وأبين كلامًا وأقدر على الحجة وفيه اقتران خبر لعل التي اسمها "بعضَ" بأن المصدرية (فأحسب) بفتح السين وكسرها لغتان والنصب عطفًا على أن يكون أبلغ وبالرفع أي فأظن لفصاحته ببيان حجته (أنه صدق فأقضي له بذلك) الذي سمعته منه (فمن قضيت) أي حكمت (له بحق مسلم) أي أو ذمي أو معاهد فالتعبير بالمسلم لا مفهوم له وإنما خرج مخرج الغالب كنظائره مما سبق (فإنما هي) أي القصة أو الحالة (قطعة) طائفة (من النار) أي من قضيت له بظاهر يخالف الباطن فهو حرام فلا يأخذن ما قضيت له لأنه يأخذ ما يؤول به إلى قطعة من النار فوضع المسبب وهو قطعة من النار موضع السبب وهو ما حكم له به (فليأخذها أو فليتركها) ولأبي ذر: أو ليتركها بإسقاط الفاء.

قال النووي: ليس معناه التخيير بل هو للتهديد والوعيد كقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] وقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصّلت: 40] انتهى. وتعقب بأنه إن أراد أن كلتا الصيغتين للتهديد فممنوع فإن قوله: فليتركها للوجوب وإن أراد الأولى وهو فليأخذها فلا تخيير فيها بمجردها حتى يقول ليس للتخيير ثم إن أو مما يشرك لفظًا ومعنى والتهديد ضد الوجوب.

وأجيب: بأنه يحتمل إرادة الصيغتين لا على معنى أن كل واحدة منهما للتهديد بل الأمر للتخيير المستفاد من مجموعهما بدليل تنظيره بقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وكلاهما نظير خذ من مالي درهمًا أو خذ دينارًا، وكذلك في معنى ذلك {اعملوا ما شئتم} لأنه ينحل إلى اعملوا خيرًا إن شئتم واعملوا شرًّا إن شئتم، والتهديد هو التخويف. ودلالة هذه الصيغ

عليها إنما هي بقرينة خارجة عن اللفظ وهي ما قصد في الكلام من التخويف بعاقبة ذلك، ويحتمل أن الصيغة الأولى هي التي للتهديد وهو قريب من نحو "فليتبوّأ مقعده من النار" وحينئذٍ فأو للإضراب والصيغة الثانية على حقيقتها من الإيجاب أي بل ليدعها، وقد قال سيبويه: إن أو تأتي للإضراب بشرطين سبق نفي أو نهي وإعادة العامل والشرطان موجودان فيه لأنّا إذا حملنا فليأخذها على التهديد كأن معناه فلا يأخذها بل يدعها قاله في العدّة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام والشهادات وترك الحيل ومسلم في القضاء وأبو داود في الأحكام.

17 - باب إِذَا خَاصَمَ فَجَر

هذا (باب) بالتنوين في ذم من (إذا خاصم فجر) وفي نسخة بترك تنوين باب.

2459 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، أَوْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة العسكري قال: (أخبرنا محمد) غير منسوب ولأبي ذر محمد بن جعفر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي بخاء معجمة وراء وفاء الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أبو عائشة الهمداني (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاصي (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(أربع) أي أربع خصال (من كنّ فيه كان منافقًا) عمليًّا لا إيمانيًّا أو منافقًا عرفيًّا لا شرعيًّا وليس المراد الكفر الملقي في الدرك الأسفل من النار (أو كانت فيه خصلة) أي خلة بفتح الخاء (من أربعة) ولأبي ذر: أربع (كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) يتركها (إذا حدّث) في كل شيء (كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) في الخصومة أي مال عن الحق والمراد به هنا الشتم والرمي بالأشياء القبيحة والبهتان، وزاد في كتاب الإيمان: "إذا ائتمن خان" لكنه أسقطه هنا وأسقط "وإذا وعد" الخ ... هناك لأن المسقط في الموضعين داخل تحت المذكور منهما فحصل من الروايتين خمس خصال.

وفي حديث أبي هريرة في كتاب الإيمان أيضًا "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" فأسقط الغدر في المعاهدة، وفي رواية مسلم لحديث الباب الخلف في الوعد

بدل الغدر كحديث أبي هريرة هذا فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه لأن معناهما قد يتّحد، وعلى هذا فالمزيد الفجور في الخصومة وقد يندرج في الخصلة الأولى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015