(ظلمات) على صاحبه (يوم القيامة). فلا يهتدي يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا فربما وقع قدمه في ظلمة ظلمه فهوت في حفرة من حفر النار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتّقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئًا. قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: يؤتى بالظلمة فيوضعون في تابوت من نار ثم يزجّون فيها.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في البر.

9 - باب الاِتِّقَاءِ وَالْحَذَرِ مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ

(باب الاتّقاء والحذر من دعوة المظلوم).

2448 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ».

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربّه البلخي الملقب بخت بفتح المعجمة وتشديد المثناة الفوقية قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة الكوفي قال: (حدّثنا زكريا بن إسحاق المكي) الثقة (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) بالصاد المهملة المكي (عن أبي معبد) نافذ بالفاء والمعجمة أو المهملة (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معاذًا إلى) أهل (اليمن) واليًا عليهم سنة عشر يعلمهم الشرائع ويقبض الصدقات (فقال) له:

(اتق دعوة المظلوم) وإن كان عاصيًا (فإنها) أي دعوة المظلوم وللمستملي فإنه أي الشأن (ليس بينها وبين الله حجاب) كناية عن الاستجابة وعدم الرد كما صرّح به في حديث أبي هريرة عند الترمذي مرفوعًا بلفظ ثلاثة لا تردّ دعوتهم الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين".

وحديث الباب قد سبق في باب أخذ الصدقة من الأغنياء من كتاب الزكاة بأتم من هذا واقتصر منه هنا على المراد.

10 - باب مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ فَحَلَّلَهَا لَهُ هَلْ يُبَيِّنُ مَظْلَمَتَهُ؟

(باب من كانت له مظلمة) بكسر اللام وحكي فتحها (عند الرجل) وفي رواية عند رجل (فحللها له هل يبين مظلمته) حتى يصح التحليل منها أم لا.

2449 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ».

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَقْبُرِيَّ لأَنَّهُ كَانَ نَزَلَ نَاحِيَةَ الْمَقَابِرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ هُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ. [الحديث 2449 - طرفه في: 6534].

وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) عبد الرحمن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(من كانت له مظلمة) بكسر اللام وفي الرقاق من رواية مالك عن المقبري من كانت عنده مظلمة (لأحد) ولأبي ذر: لأخيه (من عرضه) بكسر العين المهملة موضع الذم والدح منه سواء كان في نفسه أو أصله أو فرعه (أو شيء) من الأشياء كالأموال والجراحات حتى اللطمة وهو من عطف العام على الخاص (فليتحلله منه اليوم) نصب على الظرفية والمراد من اليوم أيام الدنيا لمقابلته بقوله (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) فيؤخذ منه بدل مظلمته وهو يوم القيامة، والمراد بالتحلل أن يسأله أن يجعله في حلٍّ وليطلبه ببراءة ذمته. وقال الخطابي: معناه يستوهبه ويقطع دعواه عنه لأن ما حرم الله من الغيبة لا يمكن تحليله وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال: اجعلني في حِلٍّ فقد اغتبتك. فقال: إني لا أحل ما حرم الله ولكن ما كان من قبلنا فأنت في حلٍّ ولما قال قبل أن لا يكون دينار ولا درهم كأنه قيل فما يؤخذ منه بدل مظلمته؟ فقال: (إن كان له) أي الظالم (عمل صالح أخذ منه) أي من ثواب عمله الصالح (بقدر مظلمته) التي ظلمها لصاحبه (وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه) الذي ظلمه (فحمل عليه) أي على الظالم عقوبة سيئات المظلوم.

قال المازري: زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] وهو باطل وجهالة بيّنة لأنه إنما عوقب بفعله ووزره فتوجه عليه حقوق لغريمه فدفعت إليه من حسناته فلما فرغت حسناته أخذ من سيئات خصمه فوضعت عليه فحقيقة العقوبة مسببة عن ظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه.

(قال أبو عبد الله) المؤلّف (قال إسماعيل بن أبي أويس) هو شيخ المؤلّف (إنما سمي) أي أبو سعيد المذكور في السند (المقبري لأنّه كان نزل) ولأبي ذر: ينزل (ناحية المقابر) بالمدينة الشريفة،

وقيل: لأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جعله على حفر القبور بالمدينة وهو تابعي.

(قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015