اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الغضب (فقال) عليه الصلاة والسلام (ما لك ولها) استفهام إنكاري (معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودًا أخفافها فتقوى بها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية (وسقاؤها) بكسر السين المهملة والمدّ جوفها أي حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء آخر أو السقاء العنق أي ترد الماء وتشرب من غير ساق يسقيها. قال ابن دقيق العيد: لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء عبّر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا، وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرّض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة، وهذه لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوّة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب كما قال: (ترد الماء وتأكل الشجر) ويلحق بالإبل ما يمتنع بقوّته من صغار السباع كالبقر والفرس، أو بعدوه كالأرنب والظبي، أو بطيرانه كالحمام. فهذا ونحوه لا يحل التقاطه بمفازة لأنه مصون بالامتناع عن أكثر السباع مستغنٍ بالرعي إلى أن يجده مالكه إذا كان التقاطه له للتملك ويجوز للحفظ صيانة له من الخونة، أما إذا وجده في العمارة فيجوز له التقاطه للتملك ويجوز للحفظ صيانة له من الخونة، أما إذا وجده في العمارة فيجوز له التقاطه للتملك كما يجوز للحفظ، وقيل لا يجوز كالمفازة، وفرّق الأول بأنه في العمارة يضيع بامتداد الخائنة إليه بخلاف المفازة فإن طروّ الناس بها لا يعمّ، ولو وجد في زمن نهب جاز التقاطه للتملك والحفظ قطعًا في المفازة وغيرها، والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها
مع الموات محال اللقطة ولو التقط الممتنع من صغار السباع للتملك في مفازة آمنة ضمنه ولا يبرأ بردّه إلى مكانه فإن سلمه إلى الحاكم برئ كما في الغصب، وبالجملة فأخذ الجمهور بظاهر الحديث أن ضالة الإبل ونحوها لا تلتقط، وقال الحنفية: الأولى أن تلتقط.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب الغضب في الموعظة.
(باب) حكم التقاط (ضالة الغنم).
2428 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً (يَقُولُ يَزِيدُ: إِنْ لَمْ تُعْتَرَفِ اسْتَنْفَقَ بِهَا صَاحِبُهَا، وَكَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. قَالَ يَحْيَى: فَهَذَا الَّذِي لاَ أَدْرِي أَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أَمْ شَىْءٌ مِنْ عِنْدِهِ). ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ (قَالَ يَزِيدُ: وَهْيَ تُعَرَّفُ أَيْضًا). ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَقَالَ: دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان) التيمي مولاهم المدني ولأبوي ذر والوقت: سليمان بن بلال (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن يزيد مولى المنبعث) المدني (أنه سمع زيد بن خالد) الجهني (-رضي الله عنه- يقول: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة) ما حكمها؟ وفي الباب السابق أن السائل أعرابي وقيل هو بلال وقيل غيره، (فزعم) أي زيد بن خالد والزعم يستعمل في القول المحقق كثيرًا (أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال):
(اعرف عفاصها) وعاءها الذي تكون فيه (ووكاءها) الخيط الذي يربط به الوعاء (ثم عرّفها سنة) أي متوالية فلو عرفها سنة متفرقة كأن عرفها في كل سنة شهرًا لم يكف، ولو فرق السنة كأن عرف شهرين وترك شهرين وهكذا جاز لأنه عرف سنة. ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز أن يوكل فإن قصد التملك ولو بعد التقاطه للحفظ أو مطلقًا فمؤنة التعريف الواقع بعد قصده عليه تملك أم لا؟ لأن التعريف سبب لتملكه ولأن الحظ له، وإن قصد الحفظ ولو بعد التقاطه للتملك أو مطلقًا فمؤنة التعريف على بيت المال إن كان فيه سعة وإلاّ فعلى المالك بأن يقترض عليه الحاكم منه أو من غيره أو يأمره بصرفها ليرجع كما في هرب الجمال: وإنما لم تجب على الملتقط لأن الحظ للمالك فقط.
قال يحيى بن سعد الأنصاري بالإسناد السابق: (يقول يزيد) مولى المنبعث (إن لم تعترف) بضم المثناة الفوقية وسكون المهملة وفتح الفوقية والراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: إن لم تعرف بإسقاط الفوقية الثانية أي اللقطة (استنفق بها) بفتح الفاء والقاف (صاحبها) أي ملتقطها (وكانت وديعة عنده).
قال سليمان بن بلال: (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري بالإسناد السابق: (فهذا الذي لا أدري) أي لا أعلم (أفي حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو) أي قوله وكانت وديعة عنده (أم شيء من عنده) أي من عند يزيد من قوله: وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلام المؤلّف باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردّها عليه لأنها وديعة عنده