رواية عبد الله بن الفضل بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئًا كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر (فرفع المسلم يده عند ذلك) أي عند سماع قول اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين لما فهمه من عموم لفظ العالمين فيدخل فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا أفضل (فلطم وجه اليهودي) عقوبة له على كذبه عنده (فذهب اليهودي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلم فسأله عن ذلك فأخبره) وفي رواية عبد الله بن الفضل فقال اليهودي: يا أبا القاسم إن لي ذمةً وعهدًا فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لِمَ لطمت وجهه فذكره فغضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ريء في وجهه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تخيروني على موسى) تخييرًا يؤدي إلى تنقيصه أو تخييرًا يفضي بكم إلى الخصومة أو قاله تواضعًا أو قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم (فإن الناس يصعقون) بفتح العين من صعق بكسرها إذا أغمي عليه من الفزع (يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق) لم يبين في رواية الزهري محل الإفاقة من أيّ الصعقتين، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من يشاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث (فإذا موسى باطش جانب العرش) آخذ بناحية منه بقوّة (فلا أدري كان) بهمزة الاستفهام ولأبي الوقت كان (فيمن صعق فأفاق قبلي) فيكون ذلك له فضيلة ظاهرة (أو كان ممن استثنى الله) في قوله تعالى: {فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68] فلم يصعق فهي فضيلة أيضًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي الرقاق ومسلم في الفضائل وأبو داود في السنة والنسائي في النعوت.
2412 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ جَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. فَقَالَ: مَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: ادْعُوهُ. فَقَالَ: أَضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قُلْتُ: أَىْ خَبِيثُ، عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى". [الحديث 2412 - أطرافه في: 3398، 4638، 6916، 6917، 7427].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم (عن أبيه) يحيى بن عمارة الأنصاري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم ولأبوي ذر والوقت: بينا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس جاء يهودي) قيل اسمه فنحاص كما مرّ (فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(من؟ قال) اليهودي: ضربني (رجل من الأنصار) سبق أنه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو معارض بقوله هنا من الأنصار فيحمل الأنصار على المعنى الأعم أو على التعدد (قال) عليه الصلاة والسلام (ادعوه) فدعوه فحضر (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (أضربته؟ قال): نعم (سمعته بالسوق يحلف والذي اصطفى موسى على البشر) ولأبي ذر عن الكشميهني: على النبيين (قلت: أي) حرف نداء أي يا (خبيث) أأصطفي موسى (على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ استفهام إنكاري (فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تخيروا بين الأنبياء) تخيير تنقيص وإلا فالتفضيل بينهم ثابت قال تعالى: {ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض} [الإسراء: 55] و {تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض} [البقرة: 253] (فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أوّل من تنشق عنه الأرض) أي أوّل من يخرج من قبره قبل الناس أجمعين من الأنبياء وغيرهم (فإذا أنا بموسى) هو (آخذ بقائمة من قوائم العرش) أي بعمود من عمده (فلا أدري أكان فيمن صعق) أي فيمن غشي عليه من نفخة البعث فأفاق قبلي (أم حوسب بصعقة) الدار (الأولى) وهي صعقة الطور المذكور في قوله تعالى: {وخرّ موسى صعقًا} [الأعراف: 143] ولا منافاة بين قوله في الحديث السابق أو كان ممن استثنى الله وبين قوله هنا: أم حوسب بصعقه الأولى لأن المعنى لا أدري أي هذه الثلاثة كانت من الإفاقة أو الاستثناء أو المحاسبة.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله عليه الصلاة والسلام (ادعوه) فإن المراد به إشخاصه بين يديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث أخرجه المؤلّف في التفسير