أي إذا اشتد فالفاء هنا وقعت موضع إذا كما وقعت إذا موضعها في قوله: {إذا هم يقنطون} [الروم: 36] (فنزل بئرًا فشرب منها ثم خرج) من البئر (فإذا هو بكلب) حال كونه (يلهث) بفتح الهاء والشاء المثلثة أي يرتفع نفسه بين أضلاعه أو يخرج لسانه من العطش حال كونه (يأكل الثرى) بفتح المثلثة أي يكدم بفيه الأرض الندية (من العطش) وفي رواية الحموي والمستملي: من العطاش بضم العين كغراب. قال في القاموس: هو داء لا يروى صاحبه. وقال السفاقسي: داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى، وهذا موضع ذكر هذه الرواية. وسها الحافظ ابن حجر فذكرها في فتح الباري، وتبعه العيني عند اشتداد العطش على الرجل وعبارته قوله: فاشتد عليه العطش كذا للأكثر وكذا هو في الموطأ، ووقع في رواية المستملي: العطاش. قال ابن التين: هو داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى وهو غير مناسب هنا قال وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث عنه هذا الداء كالزكام.
قلت: وسياق الحديث يأباه فظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة اهـ فتأمله.
(فقال) الرجل (لقد بلغ هذا) أي الكلب (مثل الذي بلغ بي) أي من شدّة العطش، وزاد ابن حبّان من وجه آخر عن أبي صالح: فرحمه، وقوله مثل بالرفع في فرع اليونينية والنسخة المقروءة على الميدومي وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة. وحكاه ابن الملقن عن ضبط الحافظ الدمياطي على أنه فاعل بلغ. وقوله هذا مفعول به مقدّم، وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني كالزركشي: مثل بالنصب نعت لمصدر محذوف أي بلغ مبلغًا مثل الذي بلغ بي. قال في المصابيح: وهذا لا يتعين لجواز أن يكون المحذوف مفعولاً به أي عطشًا.
وزاد أبو ذر هنا في روايته فنزل بئرًا (فملأ خفّه) ولابن حبان: فنزع إحدى خفّيه (ثم أمسكه بفيه) ليصعد من البئر لعسر المرتقى منها (ثم رقي) منها بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنًا ومعنى، ومقتضى كلام ابن التين أن الرواية رقى بفتح القاف وذلك أنه قال: ثم رقى كذا وقع وصوابه رقي على وزن علم ومعناه صعد. قال تعالى: {أو ترقى في السماء} [الإسراء: 93] وأما رقى بفتح
القاف فمن الرقية وليس هذا موضعه وخرّجه على لغة طيئ في مثل بقي يبقى ورضي يرضى يأتون بالفتحة مكان الكسرة فتنقلب الياء ألفًا وهذا دأبهم في كل ما هو من هذا الباب انتهى.
قال العلاّمة البدر الدماميني: ولعل المقتضي لإيثار الفتح هنا إن صح قصد المزاوجة بين رقى وسقى وهي من مقاصدهم التي يعتمدون فيها تغيير الكلمة عن وضعها الأصلي انتهى.
(فسقى الكلب) زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح فيما سبق في كتاب الوضوء: حتى أرواه أي جعله ريان (فشكر الله له) أثنى عليه أو قبل عمله ذلك أو أظهر ما جازاه به عند ملائكته (فغفر له) وفي رواية عبد الله بن دينار: "فأدخله الجنة" بدل قوله: "فغفر له".
(قالوا) أي الصحابة وسمي منهم سراقة بن مالك بن جعشم فيما رواه أحمد وابنا ماجة وحبان (يا رسول الله) الأمر كما ذكرت (وإن لنا في) سقي (البهائم) أو الإحسان إليها (أجرًا) أتوا بالاستفهام المؤكد للتعجب (قال) عليه الصلاة والسلام (في) إرواء (كل) ذي (كبد) بفتح الكاف وكسر الموحدة ويجوز سكونها وكسر الكاف وسكون الموحدة (رطبة) برطوبة الحياة من جميع الحيوانات أو هو الحيوانات أو هو من باب وصف الشيء باعتبار ما يؤول إليه فيكون معناه في كل كبد حرى لمن سقاها حتى تصير رطبة (أجر) بالرفع مبتدأ قدم خبره، والتقدير: أجر حاصل أو كائن في إرواء كل ذي كبد حي في جميع الحيوانات، لكن قال النووي: إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسببه ويلتحق به إطعامه.
وفي هذا الحديث الحثّ على الإحسان وأن الماء من أعظم القربات، وعن بعض الصالحين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وأخرجه أيضًا في المظالم والأدب ومسلم في الحيوان وأبو داود في الجهاد.
(تابعه حماد بن سلمة) بفتح السين المهملة واللام (والربيع) بفتح الراء وكسر