وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
الأُجَاجُ: الْمُرُّ. الْمُزْنُ: السَّحَابُ.
هذا (باب) بالتنوين (في الشرب) بكسر الشين المعجمة أي باب الحكم في قسمة الماء والشرب بالكسر في الأصل النصيب والحظ من الماء وفي الفرع بضمها وعزاه عياض للأصيلي قال والكسر أولى. وقال السفاقسي: من ضبطه بالضم أراد المصدر وقال غيره المصدر مثلث وسقط لأبي ذر كتاب المساقاة ولفظ باب. قال ابن حجر: ولا وجه لقوله كتاب المساقاة فإن الترجمة التي فيه غالبها تتعلق بإحياء الموات.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه ({وجعلنا من الماء كل شيء حيّ}) بالجر صفة لشيء أي كل حيوان كقوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} [النور: 45] أو كأنما خلقناه من ماء
لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] أو المعنى صيّرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لا يحيا دونه وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد قال قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء. قال "كل شيء خلق من الماء" الحديث وإسناده على شرط الشيخين إلا أبا ميمونة فمن رجال السنن واسمه سليم والترمذي يصحح له، وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن المراد بالماء النطفة {أفلا يؤمنون} [الأنبياء: 30] مع ظهور الآيات.
(وقوله جلّ ذكره: {أفرأيتم الماء الذي تشربون}) أي العذب الصالح للشرب ({أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون}) بقدرتنا ({لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون}) [الواقعة: 68 و69 و70] قال البخاري تبعًا لأبي عبيد: (الأجاج: المرّ) وقيل هو الشديد الملوحة أو المرارة أو الحارّ حكاه ابن فارس. وقال المؤلّف تبعًا لقتادة ومجاهد فيما أخرجه الطبري عنهما (المزن: السحاب) وقيل هو الأبيض وماؤه أعذب، وفي رواية المستملي أجاجًا منصبًا وهو موافق لتفسير ابن عباس وقتادة ومجاهد فيما أخرجه الطبري المزن: السحاب، الأجاج: المرّ، فراتًا: عذابًا. وعن السدي فيما رواه ابن أبي حاتم العذب: الفرات الحلو.
وقوله ثجاجًا وفراتًا ذكرهما هنا استطرادًا على عادته في زيادته فرائد الفوائد ولفظ رواية أبي ذر {أفرأيتم الماء الذي تشربون} إلى قوله: {فلولا تشكرون}.
وقد أورد الزمخشري هنا سؤالاً فقال: فإن قلت: لِمَ أدخلت اللام على جواب "لو" في قوله تعالى: {لو نشاء لجعلناه حطامًا} [الواقعة: 65] ونزعت منه هاهنا. وأجاب بأن "لو" لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة للشرط كان ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقًا من حيث إفادتها في مضمون جملتيها أن الثاني امتنع لامتناع الأوّل افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علمًا على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علمًا على ذلك فإذا حذفت بعدما صارت علمًا مشهورًا مكانه فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفًا ومأنوسًا به لم يبالِ بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السامع أو أن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعًا للمطعوم ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب انتهى.
وَقَالَ عُثْمَانُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ» فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ -رضي الله عنه-.
هذا (باب) بالتنوين (في الشرب) بضم المعجمة (ومن رأى) ولأبي ذر: باب من رأى (صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسومًا كان أو غير مقسوم، وقال عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- فيما وصله الترمذي والنسائي وابن خزيمة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من يشتري بئر رومة) بإضافة بئر إلى رومة بضم الراء وسكون الواو فميم فهاء بئر معروفة بالمدينة (فيكون دلوه فيها) أي في البئر المذكور (كدلاء المسلمين) يعني يوقفها ويكون حظه منها كحظ غيره منها من غير مزية (فاشتراها عثمان -رضي الله عنه-) ووقفها على الفقير والغني وابن السبيل، وقد تمسك به من جوّز الوقف على النفس. وأجيب: بأنه كما لو وقف على الفقراء ثم صار فقيرًا فإنه يجوز له الأخذ منه ورومة قيل إنه علم على صاحب البئر وهو رومة الغفاري كما ذكره ابن منده فقال يقال: إنه أسلم