محذوف فلا يدخل في معنى التأكيد، وتكون هذه الجملة واردة على التبعية ولا كذلك في هذه الصورة قاله في شرح المشكاة، واستدلّ بقولها: إنما خلقنا للحرث على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه، ويحتمل أن يكون قولها: إنما خلقنا للحرث إشارة إلى تعظيم ما خلقت له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقًا لأن جملة ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق.

قال ابن بطال: في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلاً بقوله تعالى {لتركبوها} [النحل: 8] فإنه لو كان ذلك دالاًّ على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر لقوله في الحديث: إنما خلقنا للحرث، وقد اتفقوا على جواز أكلها فدلّ على أن المراد بالعموم المستفاد من صيغة إنما في قولها إنما خلقنا للحرث عموم مخصوص.

(وأخذ الذئب شاة) هو معطوف على الخبر الذي قبله بالإسناد المذكور (فتبعها) أي الشاة (الراعى) لم يسم وإيراد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل فيه إشعار بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام نعم وقع كلام الذئب لأهبان بن أوس كما عند أبي نعيم في الدلائل (فقال الذئب) ولأبي ذر: فقال له الذئب، وفي ذكر بني إسرائيل وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة

فطلبه حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب هذا استنقذتها مني. واستشكل هذا التركيب، وخرّجه ابن مالك في التوضيح على ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يكون منادى محذوفًا منه حرف النداء واعترضه البدر الدماميني بأنه ممنوع أو قليل.

الثاني: أن يكون في موضع نصب على الظرفية مشارًا به إلى اليوم أي هذا اليوم استنقذتها.

الثالث: في موضع نصب على المصدرية أي هذا الاستنقاذ استنقذتها مني، وقد وهم الزركشي في التنقيح وتبعه البدر الدماميني في المصابيح والبرماوي في اللامع الصبيح فذكروا هذه الكلمة المستشكلة في رواية هذا الباب ناقلين ما ذكرته عن ابن مالك في توجيهها، وليس لها ذكر في هذا الباب أصلاً والله أعلم.

ولفظ رواية الحديث المذكور في المناقب: بينما راعٍ في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: (من لها) أي للشاة (يوم السبع) بضم الموحدة ويجوز فتحها وسكونها المفترس من الحيوان وجمعه أسبع وسباع كما في القاموس (يوم لا راعي لها غيري) أي إذا أخذها السبع لم تقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذٍ غيري أي إنك تهرب منه وأكون أنا قريبًا منه أراعي ما يفضل لي منها، أو أراد من لها عند الفتن حين تترك بلا راعٍ نهبة للسّباع فجعل السبع لها راعيًا إذ هو منفرد بها، أو أراد يوم أكلي لها يقال: سبع الذئب الغنم أي أكلها.

وقال ابن العربي: هو بالإسكان والضم تصحيف، وقال ابن الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم، وقال في القاموس: والسبع أي بسكون الموحدة الموضع الذي يكون فيه الحشر أي من لها يوم القيامة، ويعكر على هذا قول الذئب لا راعي لها غيري والذئب لا يكون راعيًا يوم القيامة أو يوم السبع عيد لهم في الجاهلية كانوا يشتغلون فيه يلهوهم عن كل شيء قال: وروي بضم الباء انتهى.

أي: يغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب منها وإنما قال ليس لها راعٍ غيري مبالغة في تمكنه منها.

(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تعجب الناس حيث قالوا سبحان الله ذئب يتكلم كما في ذكر بني إسرائيل (آمنت به) أي بتكلم الذئب (أنا وأبو بكر وعمر).

(قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن الراوي بالسند المذكور (وما هما) أي العمران (يومئذٍ في القوم) أي لم يكونا حاضرين: فيحتمل أن يكون أهبان على تقدير أن يكون هو صاحب القصة لما أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك. كان العمران حاضرين فصدّقاه، ثم أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس بذلك وهما غائبان فلذا قال عليه الصلاة والسلام: "فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر" وأطلق ذلك لما اطّلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يتردّدان فيه كغيره من قواعد العقائد.

وقال التوربشتي: إنما أراد عليه الصلاة والسلام تخصيصهما بالتصديق الذي بلغ عين اليقين وكوشف صاحبه بالحقيقة التي ليس وراءها للتعجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015