نسخة الشيطان (حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت) ولأبي الوقت: فقلت (يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال) عليه الصلاة والسلام (ما هي) الكلمات (قلت) ولأبي الوقت قال بدل قلت (قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أوّلها حتى تختم) زاد أبو ذر: الآية ({الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم}) [البقرة: 255] (وقال لي لمن يزال) وللكشميهني: لم يزل (عليك من الله حافظ) وسقط قوله لي من رواية أبي ذر (ولا يقربك شيطان) بفتح الراء والموحدة ولأبي ذر: ولا يقربك بضم الموحدة من غير نون فيهما كذا في الفرع وأصله. قال البرماوي كالكرماني بعد أن ذكرا فتح الراء والموحدة وأصله يقربنك بالنون المؤكدة. قال في المصابيح: لا أدري ما دعاه إلى ارتكاب مثل هذا الأمر الضعيف مع ظهور الصواب في خلافه وذلك أنه قال فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فعندنا فعل منصوب بلن وهو قوله يزال والآخر من يقربك منصوب بالعطف على المنصوب المتقدم ولا زائدة لتأكيد النفي مثلها في قولك: لمن يقوم زيد ولا
يضحك وأجريناهاعلى طريقتهم في إطلاق الزيادة على لا هذه وإن كان التحقيق أنها ليست بزائدة دائمًا ألا ترى أنه إذا قيل ما جاءني زيد وعمرو، احتمل نفي مجيء كلٍّ منهما على كل حال ونفي اجتماعهما في المجيء فإذا جيء بلا كان الكلام نصًّا في المعنى الأول. نعم هي زائدة في مثل قولك لا يستوي زيد ولا عمرو انتهى.
ولأبي ذر: ولا يقربك الشيطان (حتى تصبح وكانوا) أي الصحابة (أحرص شيء على) تعلم (الخير) وفعله وكان الأصل أن يقول وكنا لكنه على طريق الالتفات وقيل هو مدرج من كلام بعض رواته، وبالجملة فهو مسوق للاعتذار عن تخلية سبيله بعد المرة الثالثة حرصًا على تعلّم ما ينفع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما إنه) بالتخفيف وفتح الهمزة وكسرها كما مرّ (قد صدقك) بتخفيف الدال في نفع آية الكرسي، ولما أثبت له الصدق أوهم المدح فاستدركه بصيغة تفيد المبالغة في الذم بقوله (وهو كذوب) وفي حديث معاذ بن جبل صدق الخبيث وهو كذوب (تعلم من تخاطب منذ) بالنون، وللحموي والمستملي: مذ (ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال لا) أعلم (قال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك شيطان) من الشياطين. قال في شرح المشكاة ونكر لفظ الشيطان بعد سبق ذكره منكرًا في قوله: لا يقربك شيطان ليؤذن بأن الثاني غير الأوّل، وأن الأول مطلق شائع في جنسه، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس، فلو عرف لأوهم المقصود لأنه إما أن يشار إلى السابق أو إلى المعروف والمشهور بين الناس وكلاهما غير مراد، وكان من الظاهر أن يقال شيطانًا بالنصب لأن السؤال في قوله من تخاطب عن المفعول فعدل إلى الجملة الاسمية وشخصه باسم الإشارة لمزيد التعيين ودوام الاحتراز عن كيده ومكره.
فإن قلت: قد سبق في الصلاة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن شيطانًا تفلت عليّ البارحة" الحديث. وفيه "ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بسارية". وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه. أجيب: باحتمال أن الذي همّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يوثقه رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن من الشياطين فيضاهي حينئذٍ سليمان في تسخيرهم، والمراد بالشيطان في حديث أبي هريرة هذا شيطانه بخصوصه أو غيره في الجملة فلا يلزم من تمكه منه استتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكّن أو الشيطان الذي همّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبدّى له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه الصلاة والسلام على هيئتهم، والذي تبدّى لأبي هريرة في حديث الباب كان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان، وقد وقع لأُبيّ بن كعب عند النسائي وأبي أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن