ومنه قيل للظل الذي بعد الزوال فيء لأنه يرجع من جانب المغرب إلى جانب الشرق (فقال الناس: قد طيبنا ذلك) بتشديد التحتية أي جعلناه طيبًا من حيث كونهم رضوا بذلك وطابت نفوسهم به (لرسول الله) أي لأجله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم) ولأبي الوقت قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم وسقط لأبي ذر لفظة لهم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا) بالواو على لغة أكلوني البراغيث، وللكشميهني: حتى يرفع (إلينا عرفاؤكم أمركم) جمع عريف وهو الذي يعرف أمور القوم وهو النقيب ودون الرئيس، وأراد عليه
الصلاة والسلام بذلك التقصي عن أمرهم استطابة لنفوسهم (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم به (ثم رجعوا) أي العرفاء (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم) أي القوم (قد طيبوا) ذلك (وأذنوا) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يردّ السبي إليهم، وفيه أنّ إقرار الوكيل عن موكله مقبول لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، وبهذا قال أبو يوسف وقيده أبو حنيفة ومحمد بالحاكم، وقال الشافعية: لا يصح إقرار الوكيل عن موكله بأن يقول: وكّلتك لتقرّ عني لفلان بكذا فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا أو جعلته مقرًّا بكذا لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة لكن التوكيل فيه إقرار من الموكل لإشعاره بثبوت الحق عليه، وقيل ليس بإقرار كما أن التوكيل بالإبراء ليس بإبراء ومحل الخلاف إذا قال وكّلتك لتقرّ عني لفلان بكذا، فلو قال أقرّ عني لفلان بألف له علي كان إقرارًا مطلقًا، ولو قال أقرّ له عليّ بألف لم يكن إقرارًا قطعًا صرّح به صاحب التعجيز، وليس في الحديث حجة لجواز الإقرار في الوكيل لأن العرفاء ليسوا وكلاء، وإنما هم كالأمراء عليهم فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس والمغازي والعتق والهبة والأحكام، وأخرجه أبو داود في الجهاد والنسائي في السير بقصة العرفاء مختصرًا.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا وكّل رجل) زاد أبو ذر: رجلاً (أن يعطي) شخصًا (شيئًا ولم يبين) الموكل (كم يعطي فأعطى) أي الوكيل ذلك الشخص (على ما يتعارفه الناس) أي في هذه الصورة فهو جائز.
2309 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ -يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ، رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ. قَالَ: أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَعْطِنِيهِ، فَأَعْطَيْتُهُ فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ. قَالَ: بِعْنِيهِ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلاَ مِنْهَا. قَالَ: فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلاَ مِنْهَا. قَالَ: فَذَلِكَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: يَا بِلاَلُ اقْضِهِ وَزِدْهُ. فَأَعْطَاهُ
أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا. قَالَ جَابِرٌ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَكُنِ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ".
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير التميمي البلخي أبو السكن قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة وبعد الألف حاء مهملة (وغيره) بالجر عطفًا على سابقه حال كون الغير (يزيد بعضهم على بعض) أي ليس جميع الحديث عند واحد منهم بعينه بل عند بعضهم ما ليس عند الآخر (و) الحال أنه (لم يبلغه) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه مشددًا أي لم يبلغ الحديث (كلهم) بل بلغه (رجل واحد منهم عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-).
قال في الفتح: وقد وقفت من تسمية من روى ابن جريج عنه هذا الحديث عن جابر على أبي الزبير، وقد تقدم في الحج شيء من ذلك. وتعقبه العيني بأنه ليس في الحج شيء من ذلك وإنما الذي تقدم في كتاب البيوع في باب شراء الدواب والحمير، وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن العيني ظن أن المراد قصة جمل جابر وليس كذلك، وإنما المراد اللفظ الواقع في السند الذي وقع الاختلاف فيه فإنه قد تقدم في الحج بمتن آخر يتعلق بالحج قال: ولكن هذا المعترض يهجم بالإنكار قبل أن يتأمل انتهى.
وكذا قال في المقدمة في كتاب الوكالة أنه أبو الزبير وإنه تقدم في الحج وقد استوعبت ما ذكره في المقدمة في الحج فلم أجد لذلك ذكرًا فالله أعلم.
(قال) أي جابر (كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في غزوة الفتح كما مرّ في البيع (فكنت) راكبًا (على جمل ثفال) بمثلثة مفتوحة وكسرها هنا خطأ ففاء خفيفة فألف غلام صفة الجمل أي بطيء السير (إنما هو في آخر القوم فمرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(من هذا)؟ المتأخر عن الناس (فقلت: جابر بن عبد الله قال) عليه الصلاة