الرجل (الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار) ذكر ابن مالك فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أن يكون أراد بالألف ألف دينار على البدل وحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله من الجر. قال ابن الدماميني المضاف هنا مجرور فلِمَ لم يقل أن المضاف إليه أقيم مقام المضاف.
الثاني: أن يكون أصله بالألف الدينار ثم حذف من الخط لصيرورتها بالإدغام دالاً فكتبت على اللفظ. قال في مصابيح الجامع: لكن الرواية بتنوين دينار ولو ثبت عدم تنوينه برواية معتبرة تعين هذا الوجه وكثيرًا ما يعتمد هو وغيره التوجيه باعتبار الخط ويلغون تحقيق الرواية.
الثالث: أن يكون الألف مضافًا إلى دينار والألف واللام زائدتان فلم يمنعا الإضافة ذكره أبو علي الفارسي.
(فقال) بالفاء ولأبي الوقت: وقال للذي أسلفه (والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه قال) الذي أسلفه (هل كنت بعثت إليّ بشيء) وللحموي والمستملي: إليّ شيئًا (قال أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه) وللحموي والمستملي: جئت به (قال فإن الله قد أدّى عنك) المال (الذي) وللحموي والمستملي: التي أي الألف التي (بعثت) بها أو به (في الخشبة) ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني: بعثت والخشبة نصب على المفعولية (فانصرف) بكسر الراء والجزم على الأمر (بالألف الدينار) التي أتيت بها صحبتك حال كونك (راشدًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الرجل لكن رأيت في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو بن العاصي يرفعه أن رجلاً جاء إلى النجاشي فقال أسلفني ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل بك قال الله
فأعطاه الألف دينار فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة، فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسه الريح فعمل تابوتًا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة فاستفدنا منه أن الذي أقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم انتهى.
وتعقبه العيني فقال هذا الكلام في البعد إلى حدّ السقوط لأن السائل والمسؤول منه كلاهما من بني إسرائيل على ما صرّح به ظاهر الكلام وبين الحبشة وبين بني إسرائيل بعد عظيم في النسبة وفي الأرض، ويبعد أن يكون ذلك الانتساب إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع وهذا يأباه من له نظر تام في تصرفه في وجوه معاني الكلام على أن الحديث المذكور ضعيف لا يعمل به انتهى.
وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن المراد بالاتباع الاتباع في الدين فيستوي بعيد الأرض وقريبها وبعيد النسب وقريبه وكان جمع من أهل اليمن دخلوا في دين بني إسرائيل وهي اليهودية ثم دخل من يقابل أهل اليمن من الحبشة في دين بني إسرائيل أيضًا وهي النصرانية وكان النجاشي ممن تحقق ذلك الدين ودان به قبل التبديل والملك لما بلغه دعوة الإسلام بادر إلى الإجابة لما عنده من العلم حتى قال لما سمع قوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم} [النساء: 171] الآية لا يزيد عيسى على هذا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا مختصرًا في الاستقرار واللقطة والاستئذان والشروط وسبق في البيع والزكاة.
(باب قول الله تعالى: ({والذين عاقدت أيمانكم}) مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء وهو قوله: ({فآتوهم نصيبهم}) [النساء: 33] ويجوز أن يكون منصوبًا على قولك زيدًا فاضربه ويجوز أن يعطف على الولدان ويكون الضمير في فآتوهم للموالي، والمراد بالذين عاقدت أيمانكم موالي الموالاة كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأحزاب: 6] ووجه دخول هذا الباب هنا كما قاله ابن المنير أن الحلف كان في أول الإسلام يقتضي استحقاق الميراث فهو مال أوجبه عقد التزام على وجه التبرع فلزم وكذلك الكفالة إنما هي التزام مال بغير عوض تطوّعًا فلزم.
2292 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِدْرِيسَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قَالَ: وَرَثَةً {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نَسَخَتْ.
ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِلاَّ النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ وَالنَّصِيحَةَ -وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ- وَيُوصِي لَهُ". [الحديث 2292 - طرفاه في: 4580، 6747].
وبه قال