هو غزوة تبوك وسمي بالعسرة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ وكان وقت طيب الثمرة فعسر ذلك وشق عليهم وكانت في سنة تسع من الهجرة، (فكان) الغزو (من أوثق أعمالي في نفسي فكان لي أجير) أي يخدمني بأجرة (فقاتل) الأجير (إنسانًا فعضَّ أحدهما إصبع صاحبه) وفي مسلم: العاض هو يعلى بن أمية (فانتزع إصبعه فأندر) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة مفتوحة فراء أي أسقط (ثنيته) بجذبه والثنية مقدم الأسنان والثنايا أربع ثنتان عليا وثنتان سفلى (فسقطت) من فيه (فانطلق) الذي ندرت ثنيته (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدر) عليه الصلاة والسلام (ثنيته) فلم يوجب له دية ولا قصاصًا (وقال) عليه الصلاة والسلام له:
(أفيدع) يترك (إصبعه في فيك تقضمها) بفتح الضاد المعجمة على اللغة الفصيحة وماضيه على ما قاله ثعلب بكسرها أي تأكلها بأطراف أسنانك والهمزة في أفيدع للاستفهام الإنكاري (قال) يعلى: (أحسبه) عليه الصلاة والسلام (قال كما يقضم الفحل) الذكر من الإبل ويقضم بفتح الضاد كما مرّ.
2266 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ جَدِّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: "أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه".
(قال ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله) هو مؤذن ابن الزبير وقاضيه (ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام مصغرًا زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبيد الله بالتصغير فهو عبد الله بن عبيد الله بن زهير المكنى بأبي مليكة، وهذا هو الذي اعتمده المزي في التهذيب، وقيل هو عبد الله بن عبد الله بن عبد الله أبي مليكة بن زهير فالمكنى هو عبد الله وأبوه زهير فيكون نسبه إلى جد أبيه، وهذا كما قال في الإصابة المعتمد وعزاه لابن سعد وابن الكلبي وغيرهما (عن جده) الضمير على القول الأول يعود إلى أبي مليكة زهير، وعلى الثاني يعود إلى عبد الله بن زهير.
وقد أخرج الحديث الحاكم أبو أحمد في الكنى عن أبي عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن جده عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (بمثل هذه الصفة) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وللأربعة القصة بالقاف المكسورة وتشديد الصاد المهملة (أن رجلاً عض يد رجل فأندر ثنيته) أي أسقطها (فأهدرها أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه-) وفي هذا دليل للشافعية والحنفية حيث قالوا: إذا عض رجل يد غيره فنزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاضّ أو فك لحييه لا ضمان عليه، وقال المالكية: يضمن ديتها.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد والمغازي والدّيات، ومسلم في الحدود، وأبو داود في الدّيات، والنسائي في القصاص.
لِقَوْلِهِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يَأْجُرُ فُلاَنًا: يُعْطِيهِ أَجْرًا. وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ: أَجَرَكَ اللَّهُ.
(باب من استأجر) ولأبي ذر: باب بالتنوين إذا استأجر (أجيرًا فبين له الأجل) أي المدة (ولم يبيّن العمل) الذي يعمله له هل يصح ذلك أم لا والذي مال إليه المصنف الجواز (لقوله) تعالى: ({إني أريد أن أنكحك}) أُزوجك ({إحدى ابنتي هاتين} إلى قوله: ({على}) ولأبي ذر والله على ({ما نقول وكيل}) [القصص: 27، 28] شاهد على ما عقدنا واعترضه المهلب بأنه ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة، لأن ذلك كان معلومًا بينهم وإنما حذف ذكره للعلم به. وأجاب ابن المنير: بأن البخاري لم يقصد جواز أن يكون العمل مجهولاً، وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطًا وأن المتبع المقاصد لا الألفاظ، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن ما وقع في النكاح على هذا الصداق خصوصية لموسى عليه الصلاة والسلام لا يجوز لغيره لظهور الغرر في طول المدة، ولأنه قال "إحدى ابنتي هاتين" ولم يعينها. وهذا لا يجوز إلا بالتعيين. وأجاب في الكشاف: بأن ذلك لم يكن عقدًا للنكاح ولكن مواعدة، ولو كان عقدًا لقال قد أنكحتك ولم يقل إني أريد أن أنكحك، وقد اختلف فيما إذا تزوجها على أن يؤجرها نفسه سنة، فقال الشافعي: النكاح جائز على خدمته إذا كان وقتًا معلومًا ويجب عليه عين الخدمة سنة، وقال مالك: يفسخ النكاح إن لم يكن دخل بها فإن دخل ثبت النكاح بمهر