أن اللفظ العامّ يشمله بطريق لا محالة وإلاّ فقد ينازع الخصم في دخوله وضعًا تحت اللفظ العام ويدّعي أنه قد يقصد المتكلم بالعام إخراج السبب وبيان أنه ليس داخلاً في الحكم، فإن للحنفية القائلين إن ولد الأمة المستفرشة لا يلحق سيدها ما لم يقرّ به نظرًا إلى أن الأصل في اللحاق الإقرار أن يقولوا في قوله عليه الصلاة والسلام "الولد للفراش" وإن كان واردًا في أمة فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد وبيان حكمه أما بالثبوت أو بالانتفاء فإذا ثبت أن الفراش هي الزوجة لأنها هي التي يتخذ لها الفراش غالبًا وقال: الولد للفراش كان فيه حصر أن الولد للحرة وبمقتضى ذلك لا يكون للأمة فكان فيه بيان الحكمين جميعًا نفي السبب عن المسبب وإثباته لغيره ولا يليق دعوى القطع هاهنا وذلك من جهة اللفظ، وهذا في الحقيقة نزاع في أن اسم الفراش هل هو موضوع للحرة والأمة الموطوءة أو للحرة فقط؟ فالحنفية يدعون الثاني فلا عموم عندهم له في الأمة فتخرج المسألة حينئذٍ من باب أن العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب. نعم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث: "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر" بهذا التركيب يقتضي أنه ألحقه به على حكم السبب فيلزم أن يكون مرادًا من قوله للفراش. فليتنبّه لهذا البحث فإنه نفيس جدًّا. وبالجملة فهذا الحديث أصل في إلحاق الولد بصاحب الفراش وإن طرأ عليه وطء محرم.

(وللعاهر) أي الزاني (الحجر) أي الخيبة ولا حق له في الولد، والعرب تقول في حرمان الشخص: له الحجر وله التراب، وقيل هو على ظاهره أي الرجم بالحجارة وضعف بأنه ليس كل زانٍ يرجم بل المحصن، وأيضًا فلا يلزم من رجمه نفي الولد والحديث إنما هو في نفيه عنه.

(ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لسودة بنت زمعة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه) أي من ابن زمعة المتنازع فيه (يا سودة) والأمر للندب والاحتياط وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوّته لها في ظاهر الشرع (لما رأى) عليه الصلاة والسلام (من شبهه) أي الولد المتخاصم فيه (بعتبة) بن أبي وقاص (فما رآها) عبد الرحمن المستلحق (حتى لقي الله). عز وجل أي مات، والاحتياط لا ينافي ظاهر الحكم فيه جواز استلحاق الوارث نسبًا للمورث وإن الشبه وحكم القافة إنما يعتمد إذا لم يكن هناك أقوى منه كالفراش فلذلك لم يعتبر الشبه الواضح.

وهذا موضع الترجمة لأن إلحاقه بزمعة يقتضي أن لا تحتجب منه سودة والشبه بعتبة يقتضي أن تحتجب والمشبهات ما أشبهت الحلال من وجه والحرام من آخر، وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وقد أخرجه المؤلّف في الفرائض والأحكام والوصايا والمغازي وشراء المملوك من الحربي ومسلم وأخرجه النسائي في الطلاق.

2054 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ. قَالَ: لاَ تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ".

وبه قال (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء آخره راء الكوفي (عن الشعبي) عامر (عن عدي بن حاتم) الطائي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سألت النبي) ولأبي ذر: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن المعراض) بكسر الميم وسكون العين المهملة وبعد الراء ألف ثم ضاد معجمة السهم الذي لا ريش عليه أو عصا رأسها محدد أي سألته عن رمي الصيد بالعراض (فقال) عليه الصلاة والسلام:

(إذا أصاب) المعراض الصيد (بحده فكل وإذا أصاب بعرضه) بفتح العين المهملة (فقتل) الصيد (فلا تأكل) منه (فإنّه وقيذ) بفتح الواو وكسر القاف آخره معجمة بمعنى موقوذ وهو المقتول بغير محدد من عصا أو حجر ونحوهما، وسقط في رواية ابن عساكر قوله: فقتل (قلت يا رسول الله أرسل كلبي) المعلّم (وأُسمي) الله (فأجد معه على الصيد كلبًا آخر لم أسم عليه ولا أدري أيهما أخذ) الصيد (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تأكل) منه ثم علل بقوله (انما سميت) أي ذكرت الله (على كلبك)

عند إرساله (ولم تسمّ على) الكلب (الآخر) وظاهره وجوب التسمية حتى لو تركها سهوًا أو عمدًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015