من قسّم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج، وقد كان بعضهم يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومكّي وكوفي وبخاري، وإنما كرّر طرقه ردًّا على ابن معين حيث حكى عن أهل المدينة أن النعمان لم يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد أخرج حديثه هذا الحميدي في مسنده عن ابن عيينة فصرح فيه بتحديث أبي فروة له، وبسماع أبي فروة من الشعبي، وبسماع الشعبي من النعمان على المنبر، وبسماع النعمان من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ.
(باب تفسير المشبهات) بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المفتوحة، ولابن عساكر: المشتبهات بسكون المعجمة ثم مثناة فوقية مفتوحة وكسر الموحدة، وفي بعض النسخ: الشبهات بضم الشين والموحدة. (وقال حسان بن أبي سنان): بكسر السين البصري أحد العباد في زمن التابعين وليس له في هذا الكتاب غير هذا الموضع (ما رأيت شيئًا أهون من الورع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) بفتح الياء فيهما من رابه يريبه ويجوز الضم من أرابه يريبه وهو الشك والتردّد، والمعنى هنا إذا شككت في شيء فدعه. وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعًا: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس، وهذا التعليق قد وصله أحمد وأبو نعيم في الحلية ولفظه: اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس: ما عالجت شيئًا أشد عليّ من الورع. فقال حسان: ما عالجت شيئًا أهون عليّ منه. قال: كيف؟ قال حسان: تركت ما يريبني
إلى ما لا يريبني فاسترحت. وقد ورد قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك مرفوعًا أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن عليّ.
2052 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين) بضم الحاء وفتح السين القرشي المكىِّ قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي مليكة) زهير التميمي الأحول ونسبه لجده واسم أبيه عبيد الله مصغرًا (عن عقبة بن الحارث) أبي سروعة (-رضي الله عنه- أن امرأة سوداء) لم تسم (جاءت) في حديث باب الرحلة في المسألة النازلة أن عقبة بن الحارث تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتت امرأة (فزعمت أنها أرضعتهما) أي عقبة والتي تزوّج بها واسمها غنية (فذكر) عقبة ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعرض عنه وتبسّم) وفي نسخة بالفرع: فتبسم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال):
(كيف) تباشرها (وقد قيل) إنك أخوها من الرضاع. وعند الترمذي قال: تزوّجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء قالت: إني أرضعتكما فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: تزوّجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني أرضعتكما وهي كاذبة. قال: فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة. قال: وكيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك أي احتياطًا لأنه لما أخبره أعرض عنه فلو كان حرامًا لأجابه بالتحريم (وقد كانت) وللمستملي وكانت (تحته) أي تحت عقبة (ابنة) ولابن عساكر بنت (أبي إهاب التميمي) بكسر الهمزة واسمها غنية كما مرّ.
وهذا الحديث قد سبق في العلم.
2053 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ". [الحديث 2053 - أطرافه في: 2218، 2421، 2533، 2745، 4303، 6749،
6765، 6817، 7182].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والعين المهملة المفتوحات قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان عتبة بن أبي وقاص) هو الذي كسر ثنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وقعة أُحد ومات على شركه، وقد ذكر ابن الأثير في أسد الغابة ما يقتضي أنه أسلم فالله أعلم قاله الحافظ زين الدين العراقي، وقال في الإصابة: لم أرَ من ذكره في الصحابة إلا ابن منده، وقد اشتد إنكار أبي نعيم عليه في ذلك وقال: هو الذي كسر رباعية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما علمت له إسلامًا بل