والظاهر أنه لتبيينه غلطه أولاً.

وقال البيهقي في المعرفة: مما قرأته فيها بعد أن ذكر من رواه عن الزهري نحو ما سبق، وكان ابن عيينة يضطرب فيه، فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى. وقال الشافعي في الأم: حديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا أثبت من حديث من روى أنه أهدي له لحم حمار، وقال الترمذي: روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ اهـ.

فيكون رده لامتناع تملك المحرم الصيد، وعورض بأن الروايات كلها تدل على البعضية كما مرّ.

(وهو) أي: والحال أنه عليه الصلاة والسلام (بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة ممدودًا جبل من عمل الفرع بضم الفاء وسكون الراء بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً

وسمي بذلك لما فيه من الوباء قاله في المطالع، ولو كان كما قيل لقيل الأوباء أو هو مقلوب عنه والأقرب أنه سمي به لتبوّئ السيول به (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون موضع بقرب الجحفة أو قرية جامعة من ناحية الفرع، وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلاً، ومن ودّان إلى الجحفة ثمانية أميال والشك من الراوي، لكن جزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودّان، وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمر وبالأبواء (فرده عليه) ولأبي الوقت: فرد عليه بحذف ضمير المفعول أي: ردّ عليه السلام الحمار على الصعب، وقد اتفقت الروايات كلها على أنه عليه الصلاة والسلام ردّه عليه إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبيّ عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا فلعله ردّ الحي وقبل اللحم. قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا الجمع نظر فإن كانت الطرق كلها محفوظ فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله وردّ اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي: إن كان الصعب أهدى حمار وحش حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حيًا وإن كان أهدى له لحمًا فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيده، ونقل الترمذي عن الشافعي أنه ردّه لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودّان.

وقال القرطبي: جاز أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثمّ قطع منه عضوًا بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدمه له فمن قال أهدى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

(فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما في وجهه) أي وجه الصعب من الكراهة لا حصل له من الكسر في رد هديته (قال): عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلبه.

(إنا) بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء (لم نرده) بفتح الدال في اليونينية وهو رواية المحدثين، وذكر ثعلب في الفصيح، لكن قال المحققون من النحاة أنه غلط والصواب ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير الذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها وليه الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا كما فتحوها مع هاء المؤنث نحو نردّها مراعاة للألف ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا إلا الضم كما أفاده السمين، وصرح جماعة منهم ابن الحاجب بأنه مذهب البصريين وجوز الكسر أيضًا وهو أضعفها فصار فيها ثلاثة أوجه، وللحموي والكشميهني: لم نردده بفك الإدغام فالدال الأولى مضمومة والثانية مجزومة وهو واضح والمعنى أنا لم نردّه (عليك) لعلة من العلل (إلا أنا حُرُم) بفتح الهمزة وضم الحاء والراء أي إلا لأنا محرمون. زاد صالح بن كيسان عند النسائي: لا نأكل الصيد، وفي رواية شعبة عن ابن عباس: لولا

إنا محرمون لقبلناه منك، وهذا يقتضي تحريم أكل المحرم لحم الصيد مطلقًا سواء صيد له أو يأمره وهو مذهب نقل عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015