حرام عليه ({فجزاء مثل ما قتل من النعم}) برفع جزاء من غير تنوين وخفض مثل على أن جزاء مصدر مضاف لمفعوله تخفيفًا، والأصل فعليه أن يجزي المقتول من الصيد مثله من النعم، ثم حذف الأول لدلالة الكلام عليه وأضيف المصدر إلى ثانيهما أو أن مثل مقحمة كقولهم: مثلك لا يفعل ذلك أي أنت لا تفعل ذلك وهذه قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي جعفر وقراءة الآخرين (فجزاء) بالرفع منونًا على الابتداء والخبر محذوف تقديره فعليه جزاء أو أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره فالواجب جزاء أو فاعل محذوف تقديره فيلزمه أو يجب عليه، (ومثل) بالرفع صفة لجزاء أي فعليه جزاء موصوف بكونه مثل ما قتل أي مماثله، والذي عليه الجمهور من السلف والخلف أن جزاء
العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه فالقرآن دل على وجوب الجزاء على التعمد وعلى تأثيمه بقوله تعالى: ({لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}) [المائدة: 95] وجاءت السنة من أحكام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دل الكتاب عليه في العمد، وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف والإتلاف مضمون في العمد والنسيان لكن التعمد مأثوم والمخطئ غير مأثوم، وهذه المماثلة باعتبار الخلقة والهيئة عند مالك والشافعي والقيمة عند أبي حنيفة ({يحكم به}) أي بالجزاء ({ذوا عدل}) رجلان صالحان، فإن الأنواع تتشابه ففي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة ({منكم}) من المسلمين ({هديًا}) حال من ضمير به ({بالغ الكعبة}) صفة هديًا والإضافة لفظية أي واصلاً إليه بأن يذبح فيه ويتصدق به ({أو كفارة}) عطف على جزاء ({طعام مساكين}) بدل منه أو تقديره هي طعام، وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر {كفارة} بغير تنوين طعام بالخفض على الإضافة لأن الكفارة لما تنوعت إلى تكفير بالطعام وتكفير بالجزاء المماثل وتكفير بالصيام حسن أضافتها لأحد أنواعها تبيينًا لذلك والإضافة تكون لأدنى ملابسة، ولا خلاف في جمع مساكين هنا لأنه لا يطعم في قتل الصيد مسكين واحد بل جماعة مساكين، وإنما اختلفوا في موضع البقرة لأن التوحيد يراد به عن كل يوم والجمع يراد به عن أيام كثيرة ({أو عدل ذلك صيامًا}) أي أو ما ساواة من الصوم فيصوم عن طعام كل مسكين يومًا وهو في الأصل مصدر أطلق للمفعول ({ليذوق وبال أمره}) ثقل أمره وجزاء معصيته أي أوجبنا ذلك ليذوق ({عفا الله عما سلف}) قبل التحريم ({ومن عاد}) إلى مثل هذا ({فينتقم الله منه}) في الآخرة أي: فهو ينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة ({والله عزيز ذو انتقام}) على المصرّ بالمعاصي ({أحل لكم صيد البحر}) مما لا يعيش إلا في الماء في جميع الأحوال ({وطعامه}) ما يتزود منه يابسًا مالحًا أو ما قذفه ميتًا ({متاعًا لكم وللسيارة}) منفعة للمقيم والمسافر وهو مفعول له ({وحرم عليكم صيد البر}) ما صيد فيه أو المراد بالصيد في الموضعين فعله، فعلى الأول يحرم على المحرم ما صاده الحلال وإن لم يكن له فيه مدخل والجمهور على حله ({ما دمتم حرمًا}) محرمين ({وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}) [المائدة: 96] وفي رواية أبي ذر ما لفظه من النعم إلى قوله: {واتقوا الله الذي إليه تحشرون} وسبب نزول هذه الآية كما حكاه مقاتل في تفسيره أن أبا اليسر بفتح المثناة التحتية والمهملة قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت، ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر حديثًا في هذه الترجمة إشارة إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع، وفي رواية غير أبي ذر هنا باب بالتنوين: إذا صاد الحلال صيدًا فأهدى للمحرم الصيد أكله المحرم.
قال: العيني كالحافظ ابن حجر: هذه الترجمة هكذا ثبتت في رواية أبي ذر، وسقطت في رواية غيره وجعلوا ما ذكر في هذا الباب من جملة الباب الذي قبله اهـ.
والذي في الفرع يقتضي أن لفظ الباب هو الساقط فقط دون الترجمة فإنه كتب قبل إذا واوًا للعطف ورقم عليها علامة الثبوت لأبوي ذر والوقت، وكذا رأيته في بعض الأصول المعتمدة وإذا صاد الحلال إلى آخر قوله أكله.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا. وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ، نَحْوُ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالْخَيْلِ يُقَالُ عَدْلُ ذَلِكَ: مِثْلُ. فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ. قِيَامًا: قِوَامًا. يَعْدِلُونَ: يَجْعَلُونَ عَدْلاً.
(ولم ير ابن