قاضى قريشًا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صدّ عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة، وهذا مذهب الشافعية والمالكية. وقال الحنفية: هي قضاء عنها.
قال في فتح القدير: وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر في خلافه وتسمية بعضهم إياها عمرة القضية لا ينفيه فإنه اتفق في الأولى مقاضاة النبي أهل مكة على أن يأتي من العام القبل فيدخل مكة بعمرة ويقيم ثلاثًا وهذا الأمر قضية تصح إضافة هذه العمرة إليها فإنها عمرة كانت عن تلك القضية فهي قضاء عن تلك القضية فتصح إضافتها إلى كل منهما فلا تستلزم الإضافة إلى القضية نفي القضاء وإلإضافة إلى القضاء تفيد ثبوته فيثبت مفيد ثبوته بلا معارض اهـ.
(وعمرة) بالرفع والنصب كما مرّ (الجعرانة). بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء وبكسر العين وتشديد الراء والأول ذهب إليه الأصمعي وصوبه الخطابي وهي ما بين الطائف ومكة
(إذا) أي حين (قسم غنيمة) بالنصب معمول قسم من غير تنوين لإضافته في الحقيقة إلى حنين (أراه) بضم الهمزة أي أظنه وهو اعتراض بين المضاف وبين (حنين) المضاف إليه وكأن الراوي طرأ عليه شك فأدخل لفظ أراه بينهما، وقد رواه مسلم عن همام بغير شك وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وكانت في سنة ثمان في زمن غزوة الفتح ودخل عليه الصلاة والسلام بهذه العمرة إلى مكة ليلاً وخرج منها ليلاً إلى الجعرانة فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق ومن ثم خفيت هذه العمرة على كثير من الناس.
قال قتادة: (قلت): لأنس (كم حج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ (قال): حج (واحدة) وقد سقط من رواية حسان هذه العمرة الرابعة، ولذا استظهر المؤلّف بطريق أبي الوليد الثابت ذكرها فيه حيث قال وعمرة مع حجته.
1779 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ "سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- فَقَالَ "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ".
فقال: بالسند السابق (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا همام) العوذي (عن قتادة) بن دعامة (قال: سألت أنسًا -رضي الله عنه-) أي كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال): (اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث ردوه) أي المشركون بالحديبية (و) اعتمر (من) العام (القابل عمر الحديبية) وهي عمرة القضاء وهي وسابقتها من الحديبية أو قوله والحديبية يتعلق بقوله حين ردوه (و) اعتمر (عمرة في ذي القعدة) وهي عمرة الجعرانة (و) اعتمر (عمرة) وهي الرابعة (مع حجته) وهذا بعينه هو الحديث الأول بمتنه وسنده ولكن شيخه في الأول حسان وفي الثاني أبو الوليد، وأسقط في الأول العمرة الرابعة وأثبتها في هذا كمسلم من طريق عبد الصمد عن هشام لكن قال: الكرماني: إنها داخلة في الحديث الأول ضمن الحج لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إما أن يكون متمتعًا أو قارنًا أو مفردًا، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردًا لكن ما ذكر هنا يشعر بأنه كان قارنًا وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنًا مع أن حديثه المذكور هنا يدل على أنه كان قارنًا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته ولم يكن متمتعًا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي وقد كان أحرم أولاً بالحج ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق. ومن ثم اختلف في عدد عمره فمن قال أربعًا فهذا وجهه، ومن قال ثلاثًا أسقط الأخيرة لدخول أفعالها في الحج، ومن قال اعتمر عمرتين أسقط عمرة الحديبية لكونهم صدّوا عنها، وأسقط الأخيرة لما ذكر وأثبت عمرة القضية والجعرانة.
1780 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ "اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلاَّ الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا هدب) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح الموحدة بغير تنوين ابن خالد القيسي قال: (حدّثنا همام) أي المذكور (قال): أي بالإسناد المذكور وهو عن قتادة عن أنس (اعتمر) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أربع عمر) كلهن (في ذي القعدة إلا التي اعتمر) وللحموي والمستملي إلا الذي بصيغة المذكر أي إلا النسك الذي اعتمر (مع حجته) في ذي الحجة ثم بين الأربعة المذكورة بقوله: (عمرته) نصب باعتمر (من الحديبية) وهي الأولى (و) الثانية (من العام المقبل)