بينه وبين مِنى ألف وخمسمائة ذراع، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، (ولأهل اليمن) إذا مرّوا بطريق تهامة ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم (يلملم) فتح الياء واللامين وسكون الميم الأولى بينهما غير منصرف جبل من جبال تهامة. ويقال فيه ألملم بهمزة بدل الياء على مرحلتين من مكة فإن مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم نجد (هن) أي المواقيت المذكورة (لهن) بضمير المؤنثات. وكان مقتضى الظاهر أن يكون لهم بضمير المذكرين. فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير المؤنثات لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن ضمير بالقرينة لطلب التشاكل. وأجاب غيره بأنه على حذف مضاف أي هن لأهلهن أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله في حديث آخر: هنّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، فصرح بالأهل ثانيًا. ولأبي ذر: هن لهم بضمير المذكرين وهو واضح (ولمن أتى) مرّ (عليهن) أي المواقيت (من غيرهن) أي من غير أهل البلاد المذكورة، فلو مرّ الشامي على ذي الحليفة كما يفعل الآن لزمه الإحرام منها وليس له مجاوزتها إلى الجحفة التي هي ميقاته فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفي الخلاف في شرحيه لمسلم المهذّب في هذه المسألة، فإن أراد نفي الخلاف في مذهب الشافعي فمسلم وإن أراد نفي الخلاف مطلقًا فلا لأن مذهب مالك أن له مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال الحنفية، وابن المنذر من الشافعية.

وأما استشكال ابن دقيق العيد قوله: ولأهل الشام الجحفة فإنه شامل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله: ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فإنه شامل للشامي إذا مرّ بذي الحليفة وغيره فهما عمومان قد تعارضا، فأجاب عنه الولي ابن العراقي بأن المراد بأهل المدينة من سلك طريق سفرهم ومن مرّ على ميقاتهم وحينئذ فلا إشكال ولا تعارض.

(ممن أراد الحج والعمرة) معًا بأن يقرن بينهما أو الواو بمعنى أو وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام (ومن كان دون ذلك) أي بين الميقات ومكة (فمن) أي فميقاته من (حيث أنشأ) الإحرام أو السفر من مكانه إلى مكة (حتى أهل مكة) وغيرهم ممن هو بها يهلون (من مكة) كالأفاقي الذي بين مكة والميقات فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات وهذا خاص بالحج. أما العمرة، فمن أدنى الحل. وقوله: حتى أهل مكة من مكة عام للحج والعمرة، ولذا قال المؤلّف باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة لكن قصة عمرة عائشة حين أرسلها عليه الصلاة والسلام مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم لتحرم منه بالعمرة تخصص عموم هذا الحديث، لكن البخاري نظر إلى

عموم اللفظ، نعم القارن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة تغليبًا للجج لاندراج العمرة تحته فلا يحتاج إلى الإحرام بها من الحل مع أنه يجمع بين الحل والحرم بوقوفه بعرفة، وحتى هذه ابتدائية وأهل مكة مبتدأ والخبر محذوف والجملة لا محل لها من الإعراب.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج.

8 - باب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلاَ يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ

(باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلون قبل ذي الحليفة) لأنه لم ينقل عنه أحد ممن حج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أحرم قبلها، والظاهر أن المصنف كان يرى المنع من الإحرام قبل الميقات.

1525 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ "وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ".

وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:)

(يهل أهل المدينة) ومن سلك طريقهم في سفره (من ذي الحليفة وأهل الشام) ولأبي ذر: ويهل أهل الشأم أي ومن اجتاز في سفره بميقاتهم (من الجحفة، و) يهل (أهل نجد) ومن مرّ في سفره بميقاتهم (من قرن) (قال عبد الله) هو ابن عمر: (وبلغني أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) وفي رواية سالم عنه زعموا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ولم أسمعه (ويهل أهل اليمن) تهامته دون نجده ومن مر بطريقهم (من يلملم) قال ابن عبد البر: اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله: ويهل أهل اليمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015