لا شك أن مجاراة السنة الإلهية في كون الليل لباس، ومقتضاه النوم والراحة فيه للاستعداد لاستقبال النهار الذي هو وقت المعاش، هذا هو الأولى، لكن خلافه ثبت بالسنة ما يدل عليه، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب السمر في العلم، والسمر هو السهر، وتتابع خيار الأمة على ذلك، وإن كان التوجيه إلى أن أفضل القيام قيام داود -عليه السلام-، ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس، وحينئذٍ لا يحتاج إلى نوم بالنهار إلا قيلولة، إلا القيلولة، لكن لو حصل أن الإنسان سهر بالليل وتعب بالنهار ونام، سهر بالليل على خير، إما في قيام، أو في تعلم أو تعليم، أو تأليف كل هذا جادة مسلوكة عند أهل العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سهر للعبادة، لا سيما في الأوقات الفاضلة، فإذا دخلت العشر شد مئزره، وأسهر ليله، وفي بعض الروايات: "طوى فراشه" فدل على أن مخالفة السنة الإلهية لمصلحة راجحة عمل شرعي لا إشكال فيه، فإذا كان الإنسان يستفيد من ليله أكثر من فائدته من نهاره والوقت هو الوقت، لكن إذا رجحت فائدة الليل بالنسبة للعلم والتعليم والعبادة فلا شك أن استغلال الليل أفضل؛ لأن المسالة مسألة تحقيق مصلحة، تحقيق فضل جاءت به الشريعة، فكل ما يعين على تحقيق هذا الهدف فهو شرعي، كل ما يعين على تحقيق هذا الهدف شرعي، فلا يقال: إن السهر من أجل طلب العلم أو السهر للعبادة أو السهر للتأليف لا إشكال فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سهر من أجل العبادة، وأحيا الليل، والعلم أفضل من نوافل العبادة، فإذا سهر الإنسان من أجله كان مأجوراً مشكوراً، وأما إذا سهر بالقيل والقال، وأضاع الليل بدون فائدة، وتربت على ذلك ضياع الأوقات بالليل والنهار، هذا الذي يلام عليه، ويذم عليه، أما إذا خالف هذه السنة الإلهية من أجل تحقيق مصلحة راجحة فلا إشكال في مثل هذا، ليس فيه أدنى إشكال، نعم لو سهر بالليل، وترتب على سهره النوم بالنهار، الذي يعوق دون تحصيل معاشه الذي أمر بطلبه تحقيقاً للهدف الذي من أجله خلق، وهو العبودية لله -جل وعلا-، ولا تقوم هذه العبودية إلا بامتثال: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] فإذا ترتب على ذلك