لا، لا؛ أصل الأخذ، أصل الأخذ من أهل العلم من يمنعه بالكلية، ومنهم كالحافظ أبي نعيم الفضل بن دكين أخذ عوضاً عن التحديث، وكذلك عفان بن مسلم، وهما من شيوخ البخاري الثقات الأثبات "ترخصاً" يعني للحاجة "فإن نبذ" أي ألقى، أو أوجد "شغلاً به" أي بالتفرغ للتحديث "شغلاً به الكسب" الكسب لنفسه، وعياله "أجز" الأخذ "أجز إرفاقاً" أجز الأخذ لمن حدث ممن شغل عن الكسب لنفسه، ولأولاده إرفاقاً به في معيشته، عوضاً عما فاته من الكسب بدلاً من أن يترك الحديث، وينصرف إلى التكسب، أو يتكفف الناس، ويسألهم من أموالهم "أفتى به الشيخ" أي فقد أفتى به أي بجواز الأخذ "الشيخ أبو إسحاقا" يعني الشيرازي، الشيرازي لما سأله ابن النقور لكون أصحاب الحديث يمنعونه من الكسب، فكان يأخذ كفايته، فكان يأخذ كفايته فقط، ولا يزيد على ذلك، فالحاصل أن الأخذ أخذ الأجرة على التحديث لكونها تشغل الإنسان، وتأخذ من وقته جائز، لكنه خلاف الأولى، وخلاف المروءة، اللهم إلا إذا اضطر إلى ذلك كحال أبي نعيم الفضل بن دكين، الذي بيته مملوء من النساء، والذرية، وليس فيه رغيف، فمثل هذا يعذر، لكن الذي يأخذ تكثراً، عنده الأموال، وعنده الأزواد التي تكفيه لسنته، ولأولاده، ثم يشارط الناس على هذا، وللمحدثين قصص تدل على تمام الورع، من بعضهم، من بعضهم، والبعض الآخر لا شك أن لديه حرص، شيء من الحرص على الدنيا، فيشارط، وإذا أعطي شيئاً قليلاً رده، ومنع الطالب من التحديث، منعه من السماع، وعلى كل حال الناس يتفاوتون في هذا، وما جبلوا عليه من حب للدنيا، وانصراف عنها، من الناس الدنيا ما تهمه، ومن الناس من دخل حبها قلبه، فمثل هذا يأخذ، وذاك يتورع، ولو كان بأمس الحاجة.
المقصود أن مثل هذا يخرم المروءة لا سيما إذا كان مع عدم الحاجة.
ثم قال في الفصل الثاني عشر: "ورد" يعني من قبل أهل الحديث:
ورد ذو تساهل في الحمل ... . . . . . . . . .